نظرية نسبانوية الترادف

تفترض هذه النظرية بأن الفاظ القرآن الكريم يرادف بعضها بعضا نسبانويا وذلك بالاستناد الى دلالة أو قرينة محددة. فلا هو ترادف تطابقي كما تقول به (نظرية الترادف) التراثية، ولا هو عدم ترادف تام كما تقول به (نظرية اللاترادف المعاصرة).

مثال ذلك: الوالد والأب

حسب نظرية الترادف؛ هما الشخص نفسه فكل والد أب وكل أب والد ولا فرق بينهما.

حسب نظرية اللاترادف؛ هما شخصين مختلفين، الوالد هو البيولوجي، وأما الأب فهو المربي.

حسب نظرية نسبانوية الترادف هما شخص واحد وشخصين بحسب القرينة، فبقرينة الابوة هما شخص واحد، وبالقرينة البيولوجية هما شخصين، يعني: كل أب قد يكون والد وقد لا يكون. وكل والد قد يكون أب وقد لا يكون.

فعندما نقول أب ننظر هل هو والده أم لا. فإن كان والده فاللفظين في حقه مترادفين، وإلا فلا.

وعندما نقول والد ننظر هل هو رباه أم لا. فإن كان رباه فاللفظين في حقه مترادفين، وإلا فلا.

فالتراف واللاترادف معلّقين على قرينة خارجية يحددها الواقع الخارجي. ومن هنا أتى مفهوم النسبانوية، حيث ان النسبانوية  ليست بذاتية مطلقة ولا هي بموضوعية مطلقة أيضا، بل هي اطلاق مقيد بواقع خارجي، يعني اطلاق ظرفي او مشروط. هي تتعالى على الذات ولا تتماهى مع الموضوع. بل تتموضع بينهما في  حالة ثالثة تقرن وتفصل بينهما في الوقت نفسه.

وانطلاقا من هذا التاصيل، يمكن ان نختصر القراءة وفق هذه النظرية بناء على دلالتين كبرتين: دلالة الترادف ودلالة اللاترادف. والنسبانوية تأتي لترجح احد الدلالتين بدلالة الواقع الخارجي أو المعطيات الموضوعية.

لتوضيح آلية العمل المعرفي هذه نأخذ المثال الآتي:

هل النهي في القرآن يعني التحريم؟

حسب نظرية الترادف فكل نهي تحريم.

حسب نظرية اللاترادف، النهي القرآني شيء والتحريم شيء آخر، ونعم يكون النهي حراما اذا افترن بلفظة التحريم مثل: (لا تشرك) فالشرك حرام، ليس لأنه نهي قرآني بل لأن هذا النهي قد اقترن بلفظة التحريم في قوله: (قل تعالوا اتلوا ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا بالله شيئا).

الفرق بين النظريتين: أن الأولى تطلق باب التحريم وتجعله مفتوحا على مصراحيه، وقد امتد ليشمل نواهي النبي {صلى الله تعالى عليه وسلم}، ومن وراءه نواهي العلماء. وأمّا النظرية الثانية فتغلق باب  التحريم، بل تحكم اغلاقه على محرمات معدودة صرحت به الفاظ القرآن الكريم نفسه، ولا مزيد عليها ولا اجتهاد فيها بالزيادة او النقصان.

والسؤال أي النظريتين هي الصحيحة؟

هنا تأتي نظرية نسبانوية الترادف لتقول: علينا ان نخرج من الذات والمقصود بها هنا هو القيد اللغوي البحث، والنظر في الأثر الخارجي، فمن المهم ان نفهم النص من حيث دلالته اللغوية، ولكن الأهم أن ننظر في أثر ذلك الفهم في الواقع الخارجي.

عندما نأخذ الواقع الخارجي، نجد ان فتح باب التحريم بالطريقة التي تبنتها مدرسة الترادف قد أوقع الدين والمتديين في أزمات كارثية على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فضلا عن العلمية والمعرفية. فإذا أخذنا هذا التقرير بنظر الاعتبار فإن الكفة تميل الى ضرورة الاخذ بالقراءة المغايرة التي تقول بها مدرسة (اللاترادف).

إذن: المصداق في الواقع الخارجي هو بمثابة (بيضة القبان) في الترجيح بين النظريات اللامتماثلة نسبانويا.