فيزياءُ علم الاجتمَاع

طَرحَ الدَّكتور شاكر المخزومي فكرةً، حاولَ من خلالها أنْ يربطَ بينَ الفيزياءِ وعلم الاجتماع، وخلاصتها أنَّنا إذا تمكنَّا من أنْ نتعاملَ مع الظَّواهرِ الاجتماعيَّةِ كما نتعاملُ معَ الظَّواهرِ الفِيزيائيَّةِ في المستوى الَّذي يدخلُ ضمنَ نطاقاتِ المعدَّلاتِ الإحصَائيَّة؛ فرُبمَّا سنتمكَّنُ مُستقبَلًا من التَّنبُّؤِ بالظَّواهرِ الاجتماعيَّةِ كما نفعلُ الآنَ معَ الظَّواهر الفيزيائيَّةِ أو الفلكيَّة.

كانتْ هذه الفكرة ضمنَ الاشكاليَّةِ الَّتي تساءَل المخزُومي فيها قائلًا: هلْ يُمكنُ أنْ نستخدمَ المنهجيَّة الفيزيائيَّة في دراسةِ الموضوعاتِ الإنسانيَّة؟ وهلْ يمكنُ التَّوصل إلى قوانينَ دقيقة تصفُ السُّلوك البشريّ كما تصفُ قوانينَ الفيزياءِ الظَّواهر الطَّبيعيَّة؟

ولتوضيح فكرتهِ، ضربَ الدَّكتور المخزومي لذلك أمثلةً مُنَوَّعةً لعلَّ أبرزها مثالهُ عن درجةِ حرارةِ الغُرفة، إذ ذكرَ أنَّ الفيزياءَ -معَ هكذا مسائلَ- تتعاملُ بالمعدَّلِ وليس بالدِّقةِ التَّفصيليَّةِ والمتناهيَةِ للجُسيماتِ الذَّريةِ لتعذّر ذلك، لكن كمعدَّلٍ يمكنُ حسَاب درجة حرارة الغرفةِ بسهولة، ويُمكن توقّع تغيراتها بدقّةٍ نسبة للمتغيّرات الَّتي قد تطرأ لها. وإذا أمكننا أنْ نقيسَ معدَّل درجة حرارة الغرفة فيزيائيًّا، ألا يُمكن أنْ نقيسَ معدَّل درجة حرارة المجتمع أو مزاجهِ؟

بلا شكٍّ، هناكَ تفاصيلَ كثيرةً قابلةً للنِّقاشِ حولَ هذه الفكرة، من حيثيَّاتٍ مُتعدِّدة، إذ هلْ نتحدَّثُ هنا عن الاستفادةِ من قوانينَ الفيزياءِ وإيجادِ مقارباتٍ مُجتمعيَّةٍ وتأويلها كتأويل الحرارةِ الفيزيائيَّةِ بالمِزَاج الاجتماعي، ثمَّ تطبيق قوانينَ الفيزياءِ نفسها عليها، أم أنَّنا نتحدَّثُ عن استحداثِ فيزياءٍ اجتماعيَّةٍ جديدةٍ، أي قوانينَ فيزيائيَّةٍ جديدةٍ خاصَّة بالظَّواهر الاجتماعيَّةِ لتكونَ عِلْم “سوسيوفزك”، أي عِلم الفيزياء الاجتماعيَّة؟ ثمَّ هلْ يُمكن أن تتوفَّرَ مُقوّماتِ اختبار تلك القوانين وقياسها، لتثبيتها ومن ثمّ بناء التّنبؤاتِ العلميَّة على أساسها؟ وأسئلة عديدة أخرى كما ذكرت.

في جميعِ الأحوال، سواء أكانت هذه الفكرة مقبولة علميًّا أم ليست كذلك، وسواء أكُتبَ لها التَّحقق أم لا؛ فإنَّ ما يهمُّني هنا هو أنَّ هذه المحاولة من الدَّكتور المخزومي تتساوق منْ حيث المبدأ معَ فلسفةِ التَّضامر، والَّتي تذهبُ إلى إمكانيَّةِ وجود عَلاقة تضامرٍ بين أيّ عِلْمين -أو أيِّ شيئين بشكلٍ عام- لا متماثلين، إذا ما توفَّرت الدَّلالة المحدَّدة. ويبدو من مقاربةِ الدَّكتور شاكر، أنَّهُ لمحَ دلالة معيّنة وهو يطرحُ فكرته على أساسها. وهذا يعني فيما يعني أنَّ نسبةً من التَّفكير العلمي تتَّجه نحو منطقة التَّضامر للتَّعاملِ مع معطياته، ومحاولة رؤية الواقع العلميّ بغير المنظار التَّفكيكيّ التَّقليدي.

إنَّنا نعتقدُ -وكما ذكرنا في غير مكان- أنَّ المستقبلَ سيشهدُ عددًا لا بأسَ به من الأفكارِ الَّتي تَنفُذُ إلى فضاءِ التَّضامر، وسوف يُؤسِّسُ ذلك أرضيَّةً معرفيَّةً مناسبةً للتَّعرف جيِّدًا على هذه الفلسفة والاستفادة من منطقها وقوانينها.

   ___________________________

* كان ذلك ضمن محاضرة ألقاها الدَّكتور شاكر عبد العزيز المخزومي، وهو فيزيائي عراقي، ومديرُ دائرة الأرصاد الجوية العراقية سابقًا، وعضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك في المنتدى الثَّقافي للجمعيَّة الفلكيَّة الأردنيَّة، وذلك في تاريخ 9 -5 – 2013م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *