لاتناظر المادة-المادة المضادة

يُفترض أن الانفجار العظيم (big bang) أوجد كمياتٍ متساويةٍ من المادة والمادة المضادة في بداية الكون. لكن الآن، كل ما نراه ابتداءً من أصغر أشكال الحياة على الأرض وانتهاءً بالأجسام النجمية الكبيرة مصنوعٌ بالكامل من المادة. بالمقارنة، لايوجد هناك المزيد من المادة المضادة للعثور عليها، وهو ما يجب أن يحدث حتى يحصل التوازن.    إحدى تحديات الفيزياء الكبيرة هي معرفة ما الذي حدث للمادة المضادة (antimatter)، أو لماذا نرى عدم التناظر في المادة والمادة المضادة. تشترك جسيمات المادة المضادة في الكتلة مع نظرائها من المادة، لكن تختلف في النوعية مثل امتلاكها لشحنات كهربائية متعاكسة؛ فعلى سبيل المثال البوزيترون (positron) موجب الشحنة وهو الجسيم المضاد للإلكترون المشحون بشحنة سالبة.    تنتج جسيمات المادة والمادة المضادة دائماً على شكل أزواج، وإذا حصل بينها اتصال يُفني بعضها الآخر تاركةً وراءها طاقة نقية. خلال الأجزاء الأولى من الثانية على بدء الانفجار العظيم كان الكون الساخن والكثيف يضج بأزواج الجسيمات-الجسيمات المضادة (particle-antiparticle pairs) التي تستمر بالظهور إلى حيز الوجود ومن ثمَّ الاختفاء.    إذا كانت المادة والمادة المضادة خُلقتا وفنيتا معاً، فإنه يجب على الكون أن يحتوي فقط على الطاقة المتبقية، ومع ذلك فإن جزءاً قليلاً من المادة يعادل واحد من بليون من الجسيمات تمكن من البقاء على قيد الحياة، وهو ما نراه اليوم. في العقود القليلة الماضية تعلم العلماء من تجارب فيزياء الجسيمات أن قوانين الطبيعة لا تطبق بالتساوي على المادة والمادة المضادة، وهم حريصون على اكتشاف الأسباب الكامنة وراء ذلك.   لاحظ الباحثون تحول الجسيمات بشكلٍ تلقائي إلى الجسيمات المضادة بمعدل يصل إلى ملايين المرات في الثانية قبل اضمحلالها، وبعض المدخلات غير المعروفة المتدخلة في هذه العملية يمكن أن تكون سببت في بداية الكون تحول الجسيمات المهتزة إلى مادة أكثر من تحولها إلى مادة مضادة.   بافتراض وجود قطعة نقدية تدور على طاولة، فإن العملة المتأرجحة قد تسقط إما على الصورة أو الكتابة، لكن لا نستطيع تحديد أي منهما مالم تتوقف القطعة النقدية عن الحركة والسقوط على أحد الوجهين، تمتلك القطعة النقدية فرصاً متساوية للسقوط على أي من الوجهين، لذلك إن كان لدينا عدد كافٍ من القطع النقدية التي تتحرك تماماً بنفس الطريقة فإن نصفها سيستقر عند الصورة والنصف الآخر سيستقرعند الكتابة، وبنفس الطريقة فإن نصف الجسيمات التي تتأرجح في بداية الكون يجب أن تتحول إلى مادة والنصف الآخر تتحول إلى مادة مضادة.   على أي حال، لو كان هناك على الطاولة كرة زجاجية تتحرك نحو القطع النقدية وتسببت بسقوط كل منها على جهة الصورة، فإن ذلك سيربك النظام كله، وسيصبح هناك المزيد من الصور أكثر من الكتابة. بنفس الطريقة يعتقد العلماء بوجود آلية غير معروفة تدخلت بتأرجح الجسيمات وتسببت في تحول الغالبية الصغيرة نحو المادة.   توصل العلماء إلى إشارات حول العملية التي تسببت في ذلك من خلال دراسة الفروق الدقيقة بين سلوك جسيمات المادة والمادة المضادة الناتجة من تصادم البروتونات عالية الطاقة في مصادم الهادرونات الكبير؛ وبدراسة هذا الاختلال يستطيع العلماء رسم صورة أوضح لسبب امتلاء كوننا بالمادة.


المصدر 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *