استهلال

انطلاقًا من الاهتمام بالشَّأن الفلسفي وفي سياقِ التوجّه نحو العمل الفلسفي الرّاهن، كانَ لا بدّ من أن نعي ضرورة تحديث رُوح الفلسفةِ إذا ما أردنا أنْ نتناسج مع التّفاعل المعرفيِّ الخلّاق؛ إذ وكما قيل ([1]): فأنّ الفلسفةَ لن تستطيع التّأثير في الفضَاءِ العُمومي ما لمْ تعملْ هي نفسها على تغييرِ نفسِها بنفسِها، بتحديثِ أسئلتِها، ولُغَتِها، ومن ثمّ آفاقها ([2])

من هنا كان التّضامر -كنمُوذجٍ فلسفيٍّ مقترحٍ- بمّا يُبنى عليه من نَظرةٍ تفترضُ وجودَ علاقاتٍ مُضمرة بين العلومِ والأشياء اللّامتماثلة، وبما يفترض من أنّ مُحاولة اكتشاف تلك العلاقاتِ وقوانينها قد يُمكن من ارتيادِ أرضٍ بِكرٍ في عالمِ المعرفة ويساعد على حلحلة إشكاليّاتٍ لم تزلْ عالقة، أو يُسهم في تنشيطِ الرّؤى بطرائق مُغايرة.

لذا كانت الانطلاقة من مُحاولة قراءة مَا يُحيط بنا بمنظارِ البحث عن المؤتلفِ في كلّ ما هو مختلف، وعن التَّقاطعات في كلّ ما يُظهر أنَّها متفرِّقات، هي: مناط جهدنا لما يزيد عن عقد ونيف من الزّمان خلا في هذا المضمَار، إذ حاولنا في أثناء تلك الأعوام -بما بذلناه في تأمّلاتنا وأبحاثنا، فضلًا عمّا استلهمناه من تجاربنا المتعدّدة العلميّة منها والفكريّة والصّوفية- أن نؤصلِ أصول هذه الفكرة وأن نُحرّر مبادئها، وأن ندوّن قواعدها، وأن ننسق قوانينها، بطريقة تجمع بين البساطة والعمق قدر ما استطعنا لذلك سبيلا؛ فكان هذا البحث عُصارة عملنا الّذي لا يزال مُتواصلًا لحدّ اللّحظة. آملين من المهتمّين التّواصل معنا بكلّ ما من شأنه تقويم هذه الرّؤية أو إثراؤها، إذ لم أزلْ أرى أنّ الحقيقة مُتضامرة، وأنّ الّذي يكمِّل ما ظهر هنا مضمرٌ هناك.

الكتاب يتكون من قسمين: في القسم الأوّل جرى الحديث عن نشأة هذه الفلسفة وما تتضمّنه من مبادئ بصورةٍ شبه سرديّة وبصيغة موجزة، على حين جرى في القسم الثّاني شرحها بصيغةٍ أقرب ما تكون إلى التّنظير الأكاديمي، فالقسمان أشبه ما يكونان شاهدين متكاملين لواقعةٍ واحدة، فقد نجد في كلّ قسم ما لا نجده في القسم الآخر؛ مع أنّ الموضوع نفسه والنّظرة ذاتها! لذا يُمكن لمن يهتمّ بالاجمال أن يكتفي بأحدهما، على حين لا غنى لمن يهتمّ بالتّفاصيل أو المنظور المعمّق عنهما معًا.


[1]– بول ريكور: فيلسوف فرنسي وعالم إنسانيّات مُعاصر، (1913-2005م). هو أحد ممثلي التّيار التأويلي. أشهر كتبه: نظريّة التّأويل، التّاريخ والحقيقة، الزّمن والحكي. انظر: موسوعة ويكيبيديا، إنترنت.

[2]– رهانات الفلسفة العربيّة، تنسيق محمد المصباحي، النّاشر: كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بالرّباط، مطبعة الأمنية، الرباط، ط1، 2010م، ص8.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *