التّضامر بين الفيزياء وعلم الكلام

بغية توضيحِ المضمُون الفلسفيّ للتَّضامر، وبيان كيفيّة توظيفه في المستَويين النّظري والعملي، رأينَا أنْ نعيدَ قراءةَ مشروع علم الكلام الجديد لعالمِ الفيزياءِ النَّظريَّة الدَّكتور محمَّد باسل الطَّائي([1])، وذلك في كتابه (دقيق الكلام-الرّؤية الإسلاميّة لفلسفة الطّبيعة) الذي حاولَ فيه الطَّائي أنْ يُجسّر الهوّة بين التّراث الفكري الإسلاميّ وبين أحدث ما انتهتْ إليهِ الفيزياء الحديثة من نظريّاتٍ مُعاصرة. فهل كان موفقًا فيما سعى إليه؟ وما صلة هذه المحاولة بالتّضامر؟ سنُحاول هنا أن نتعمّق في ربط الطَّائي بين علم الكلام وهو علم عقلي مُسترشدًا بنصٍّ دينيٍّ، والفيزياء الحديثة وهو علم طبيعي حديث وهو علم صارم بمناهجهِ العلميَّة. لنرى فيما إذا تجاوزَ الخطوط الحمراء بين العقيدة والعلم بأن مالَ بكفّةٍ على حسابِ أُخرى؟ أم تمكّن من أنْ يُحافظ على الرُّوح العلميَّة الموضوعيّة في مشروعة؟ وربّما الأهمّ؛ ما موقع محاولة الطَّائي بالنّسبة لفلسفة التّضامر وهل عزّزت الأفكار المطروحة فيها أم أنّها كانت معولًا فاعلًا في دحضها؟    

تقاطع العقلانيّات

وَجدت العلومُ الطّبيعيّة مكانتها الرّاسخة في عالم المعرفة الإنسانيَّة من تمسّكها بمناهج صارمة تعتمدُ على منطق عقلي وضعي، يُلازم ما تدركهُ الحواس وما يخضع للتّجربة والقياس. بالارتكاز إلى هذا المسند المرجعي فُصِلَ بين ما هو علميّ ولا علميّ، أو ما هو عقلاني تنويري ولا عقلاني ميثولوجي([2]).

اعتُمِدت هذه النّظرة منذ عصور النّهضة الأوربيّة، على أنّها النّظرة المعرفيّة الصّادقة أو الصّحيحة الوحيدة، مقابل عَزل النّظرة الدّينيّة، وتقزيم النّظرة الفلسفيّة، كون الأولى –وفقًا لذلك-غير واقعيّة بالمرّة لتعاطيها مع الغيبيّات البحتة، أمّا الأخرى فغير مُنزّهة من المثاليّة الّتي تُلبس في العديد من الأحيان الواقعَ بالميتافيزيقا([3]). والحالُ في النّظرة العلميَّة أنّ لا فائدة تُرجى ممّا لا ينطبق أو يتطابق مع الواقع تطابق الصّفة بموصوفها.

هكذا ظهرت العقلانيّة العلميَّة، وهي عقلانيةٌ من نوعٍ خاصٍّ لم تشبه العقلانيّة الفلسفيّة الّتي تقول بأنّ العقل هو المصدر الوحيد للمعرفة كعقلانيّة أفلاطون مثلاً الّتي يرى فيها أنّ «على المرء أنْ يناضل لبلوغ الوقائع النّهائيّة بممارسة العقل الخالص من دون أيّ عون من الحواس»([4]). ولم تعترف بعقلانيّة ديكارت الّتي اتخذت من الشّك المنهجي طريقًا لها لتثبت العقل ولتثبت معه وجود الإله كمسدٍّدٍ للعقل فكان أن شبّه الفلسفة بشجرة «الميتافيزيقيا جذورها، والفيزياء جذعها، والعلوم الأخرى فروعها»([5])، ولا بسواهما من عقلانيّات قال بها الفلاسفة (كاسبينوزا) و(لايبنتز) و(كانط)؛ إذ العقلانيّة العلميَّة ارتكزت على ركنين ركينين هما: الّلاركون لأحكام عقليّة قبليّة بحتة، والّلاركون للاعتراف بوجود ما هو غير مادي بالمرّة؛ أي: أنّ العقلانيّة العلميَّة تجنّبت وبصرامة الميتافيزيقيا بمستوييها الأبستمولوجي (العقلي) والأنطولوجي (الوجود غير المادّي المفارق)([6]).

 عوضًا عن ذلك سارت على مسارٍ محدّد تلخّص في اعتماد العالَم وهو الواقع الموضوعي كمرجع اسناد أساسيٍّ في المعرفة العلميَّة، وتاليًا لهُ يأتي العقل كواصف أو مفسّر أو شارح ليس إلّا؛ فالعقل تابع للعالَم، والمعلومة المستفادة من العالم بالملاحظة أو التّجربة هي العلم.

كانت البداياتُ التّاريخيّة الأولى لنشأة هذه النّظرة مع غاليليو غاليلي كونه انتهجَ نهجًا جديدًا تقرّر عنده أنّ صحة النَّظريَّة يجب أن تكون مقترنة بأسسٍ منطقيَّةٍ وعقليَّةٍ وتجريبيَّةٍ حتّى لا تكون الأفهام الطَّبيعيَّة خاضعة لرأيٍّ كيفيٍّ أو معتقد غير برهاني. ومع نيوتن وقوانينه وما صاحبها من تنبّؤات كسوف الشّمس وخسوف القمر بدقّة لسنين كثيرة مقدّمًا قبل حصولها، وكذلك التّنبؤ بظهور المذنّبات الدّورية كمذنّب هالي، ومع إمكانيّة حساب مواقع الشّمس والقمر والكواكب السّيارة في السّماءِ لآلاف السّنين بدقّةٍ كبيرةٍ، بمجرّد المعرفة بمواقعها وسرعتها معًا لحظة ما؛ ترسّخ الاعتقاد بمصداقيّة هذا المنهج إذ بدى وكأنّه أشبه بمعرفة الغيب قبلًا، غير أنّه غيبٌ قابلٌ للقياس والاستنتاج والرّصد والتّحقق. هكذا استقرّت عقلانيّة العلم الطّبيعي على قوائم ثابتة تفسّر العالم بجملةٍ من الأفعال السّببية الحتميّة المتلازمة المترابطة بعضها ببعضها الآخر، وَفق قوانين رياضيّة دقيقة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، سُمّيت قوانين الطّبيعة الأمر الّذي حدي بـ(يير (لابلاس)([7]) أن يصرّح بالّلاحاجة لإقحام إله في إيجاد الكون أو عمله([8]).

لكن، مع مطلع القرن العشرين وظهور نظريّة الكوانتم([9]) الّتي كشفت أنّ الحتمية الّلابلاسيّة ليست مطردة في جميع مستويات العالم؛ وذلك لأنّ تلك الحتميّة الّتي تشدّق بها (لابلاس) تختفي كأنّها «سراب ظاهر»([10]) في المستوى الذّري والجزيئي من العالم، وما كان (لابلاس) قادرًا على فعله في العالم الكبير، عالم الكواكب والسّماء، لم يعد ممكنًا في عالم الذّرات. بل إنّ ما يفعله (لابلاس) في حسابات العالم الكبير ليس إلّا تقريب ظاهر وليس هو يقين مكين كما أثبتت الحسابات الحديثة.

من جانبٍ آخر، جاءت نسبيّة أينشتاين بأفكارٍ جديدةٍ نأَت بعلم الحركة والجاذبيّة عن الإطار الّذي تصوره غاليليو ونيوتن من قبل؛ إذ ذهبت إلى أنّ الزّمان والمكان نسبيان؛ وعلى هذا فإنّ حصول حدث في الزّمان والمكان ليس واحدًا لدى جميع المشاهدين، وهكذا اختزلت نظريّة النسبيّة مفهوم الآنية إلى موقفٍ نسبويٍّ يعتمدُ على الحالةِ الحركيّة للمُشاهد؛ وبدلًا من أن تكون الجاذبيّة النّيوتنيّة خاصّة ذاتيّة للأجسام صارت الأجسام نفسها صفة للزّمكان أيضًا، بلْ وكشفت نظريّة النّسبية «عن عوالم شبه زمانيّة عالمنا منها، وعوالم شبه مكانيّة تتوفّر في بواطن الثّقوب السّود فيما وراء أفق الحدث»([11]).

أثّر ذلك بدا كأنّ هيبة القانون الطّبيعي قد تضاءلت، وانتقلت من كونها علاقة حتميّة إلى علاقة تجويز واحتمال تعبّر عمّا يُمكن أن يحصل دون أن تؤكّد حتميّة الحصول، فصارت «الحقيقة العلميَّة ليست بذلك القدر من اليقين الّذي يجعلها مطلقة، بل هي تصوّر ما قد يكون على قدر كبير من المصداقيّة وقد لا يكون» ([12]). الأمر الّذي حدا بعددٍ من العلماء أو الباحثين إلى تجنّب القبول بها، بل وقد يحُذِّر بعضهم منها لما يتخوّفون من أن تُستغلّ بشكلٍ لا علميٍّ فتصبح ثغرة تنفذ من خلالها الآراء والنّظريات الّلاعقلانية بما فيها من خرافاتٍ وأوهامٍ وأساطير ليس لها في ميزان العقلانيّة التّقليديّة أدنى وزن أو قيمة.

للعقل أن يسأل: أيّهما أولى بالحقيقِة العلميَّة، سدّ الذّريعة بغضّ النّظر عن لا حتميّة القوانين الطّبيعية وعدّها في الجملة قوانين حتميّة راسخة غير قابلة للنّقاش أم إعادة النّظر في شروط العقلانيّة العلميَّة وذلك بتعديلها بحيث تسمح لأنماطٍ بعينها من عقلانيّات أخرى فلسفيّة كانت أم دينيّة بأن يكون لها مساحة من التّحرك في المجال العلمي شرط أن تكون منضبطة بضوابط الملاحظة والقياس والتّجربة؟

بكلماتٍ أخرى: العقلانيّة العلميَّة تلزم العقل بأنّ يأخذ المعلومة من الظّاهرة الكونيّة ثُمَّ يخضع تلك المعلومة للاختبار والتّجربة ليستنتج منها القانون الطّبيعي الّذي يفترض فيه أن يكون مطابقًا للواقع. هذا المسلك أو المسار هو الوحيد الّذي يُمكن على أساسه أن يوصف المعلوم بأنّه علمي. أمّا وقد تبيّن أّنه هذا المسلك غير مطلق ولا يقيني إلَّا بقدر نسبانويّ محترم، فالتّساؤل المطروح هو: ما المانع من فتح المجال أمام العقلانيّة الفلسفيّة أو العقلانيّة الدّينيّة لاكتشاف قوانين الطّبيعة، شريطة أن تكون التّفسيرات أو التّنبؤات المطروحة قابلة للمُلاحظة أو القياس أو التّجربة العلميَّة الصّارمة؟! بصيغة أخرى مختزلة؛ إذا كانت العقلانيّة العلميَّة تتدرّج بالشّكل:

العاَلم ← العقل ← العِلم

فإنّ العقلانيّة الفلسفيّة تتدرّج بالشّكل:  

العقل ← العاَلم ← العلم    

والعقلانيّة الدّينيّة تتدرّج بالشّكل:

الوحي ← العقل ← العلم  

لكن، هل يُمكن أن يكون للعقل الفلسفي أو الدِّيني القدرة على ابداع نظريات أو اكتشاف قوانين طبيعية تتطابق مع الواقع الموضوعي بوجهٍ أفضل ممّا يفعله العقل العلمي، أو لا أقل من أن يكون مُضاهيًا له؟!

قد يسارع كثيرون خاصّة إذا كانوا من أتباع المذاهب الماديّة أو الفلسفة المنطقيّة الوضعيّة بالنّفي القاطع، لأسباب يأتي في مقدّمها أنّ ذلك فيه قَلبٌ للأولويّات، وانتكاسٌ غير محمود العواقب في فضاء العقلانيّة الموروث. غير أنّ علماء متخصّصين في الفيزياء غربيين مثل (فريجوف كابرا)([13]) وشرقيّين مثل محمَّد باسل الطَّائي لهم مواقف أخرى، إذ هؤلاء لا يرون في ذلك خرقًا لناموس مقدّس أو راسخ لا ينبغي المساس به، إنّهم يركنون –واتفقُ معهم- إلى النّتائج الموضوعيّة للطّرح الفلسفيِّ أو الدِّيني ومدى مطابقته مع الواقع العلميّ النّظري أو التّجريبي، فإنّ رأوا أنّ تلك النّتائج تطابق أو تشابه أو لا تُخالف ما قال به العلِم حكموا على المناهج الّتي استُنبطت وفقًا لها تلك النّتائج سواء أكانت دينيّة أو فلسفيّة بنسبةٍ من المصداقيّة تُكافئ نسبة مصداقيّة النّتائج العلميَّة، دون اطّراد في التّصديق بكلّ ما تأتي به تلك المناهج بلا تحقيق أو تمحيص أو اختبار.

لذا؛ فالنّظرة السليمة للعقلانيات الفلسفيّة أو الدّينية ينبغي أن تكون في سياقٍ علميّ صارم، وهو السّياق الّذي اجتهد الطَّائي في استنباط مُحدداته العلميَّة الّتي تشدّد على التّمييز بين السّليم والسّقيم من علم الكلام الإسلامي، إذ نجده يقول وبلا مواربة أو تحيّز للتّراث الإسلامي: «أريد أن أقول: إنّ الطّرح الكلامي كما نجده في إطاره الفلسفي هو تلخيص متقدّم لرؤيةٍ عميقةٍ متكاملة للعالم، لا تخلو من أخطاء ونواقص دون شك؛ ولكنّها يُمكن أن تؤسّس لفلسفة طبيعيّة متقدّمة، فلسفة غير متناقضة مع ذاتها تمتلك كلّ أدواتها المنسجمة مع بعضها لتؤدّي بنا إلى فهمٍ أعمق للعالم ربّما يساعدنا على استكشافه»([14]). فما يبدو واضحًا هنا هو الجمع بين مُحدّدين متكاملين:

أوّلهما: لا يجب أن ننكر الموضوعيّة والعلميّة للعقلانيّة الدّينيّة بالجملة.

وثانيهما: لا يجب أن نَعدّ العقلانيّة الدّينيّة مرجعًا مقدّسًا غير قابل للنّقد أو الاختبار.

وفق هذه المُحدّدات الّتي تتضمّن من جملة ما تتضمّن «وجوب اتّساق نتائج النَّظريَّة مع فروضها، وضرورة احتوائها على تنبّؤات أو توقّعات، وضرورة ردّ تكهنات النَّظريَّة إلى التّجريب والإرصاد، وضرورة تكامل النَّظريَّة مع غيرها من النَّظريَّات الّتي تعالج مسائل مكمّلة، أي تكون النَّظريَّة ذات آلية تصلها بالنّظريات الأُخرى من الصّنف نفسه»([15])يُمكن الانفتاح على العقلانيّات الأخرى لتكون مراجع إسناد علميَّة، قادرة على الدّعم أو التّكامل مع المرجع العلمي التّقليدي، أو -في أقلّ تقدير- عدم إنكار ما يُثبت تطابقه مع الواقع من تلك العقلانيّات.

ضمن هذا السّياق كانت وجهة نظر الطّائي أنّه قد «آن الأوان أن ندرك أنّ الصّراع بين العقل والعالم لا يُمكن حلّه إلَّا بالارتقاء إلى مستوى أعلى من مستويات المعرفة، ذلك هو العرفان، وهذا العرفان لا يتحصّل إلَّا بالوعي، والإنسان مطالب اليوم أن يستفيد من تطوّره التكنولوجي في توسيع آفاقه المعرفيّة وتبصرّاته العرفانيّة لكي يعبّر على جسر الوعي من الاستنباط إلى الإلهام» ([16])، وهي رسالة جريئة بلا شك في عصر يُمكن وبكلّ يُسر أن يُتّهم فيها أيّ عالم بعلمه، إذا ما تجرّأ وحاول التّحدّث عن المقاربة بين العلم والعرفان، لما تَرسّخَ في الأذهان في أثناء القرون الثّلاثة الماضية أنّ ذلك يعني محاولة جرجرة العقلانيّة إلى مهاوي الّلاعقلانية ومزالقها، فهل تمكّن من إبراز التّقاطع بين العقلانيّة العلميَّة والعقلانيّة الدّينية أم أنّه وقع في متاهة الالتباس والتّخليط؟ هذا ما سنحاول النّظر فيه فيما يأتي من فقرات.

علم الكلام بين الجليل والدّقيق

اختار الطَّائي علم الكلام وبالتّحديد دقيق علم الكلام لينشئ عليه فكرته في إمكانيّة إحداث تغيير نوعي في الفكر الإنساني والمنهجيَّة العلميَّة إذا ما أخذ الموضوع بالجديّة الّلازمة، ولكن ما هو علم الكلام؟ وما دقيقه؟ ولماذا هذا الاختيار؟

ارتبطَ ظهور علم الكلام بداية القرن الهجري الثّاني بـ “المعتزلة”، ولا يعرف على وجه التّحديد أصل هذه التّسمية، غير أنّ أشهر الرّوايات تذهب إلى أنّ الاعتزال أطلق أوّل ما أطلق على واصل بن عطاء وجماعة من أصحابه حين اعتزلوا مجلس الحسن البصري (ت110 هـ) بعدما اختلفوا معه بشأن مرتكب الكبيرة أهو مؤمن أم كافر؟ ([17])، إذ قال عطاء «أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقًا ولا كافر مطلقًا، بل منزلة بين منزلتين، لا مؤمن ولا كافر» ([18]). وفي القرن الهجري الثّالث أخذ المعتزلة يتداولون في الكلام على مسائل مُعيّنة في العقيدة الإسلاميَّة، ثُمَّ بدأت تظهر صياغات نظريّة أكثر عمقًا من أجل الوصول إلى نظريّة متكاملة. في تلك المرحلة توجّه المتكلمون «إلى توظيف الطّبيعة لخدمة الهدف الأسمى وهو إثبات العقائد الإسلاميَّة الأساسيّة بسبل منطقيّة وحجج عقليّة وأولها وأهمّها إثبات وجود الله سبحانه وتعالى» ([19]).

لعلّ بعضهم يرى، أنّ هذا التّوجه للتّوظيف هو سبب كافٍ لاستبعاد النّظر في علم الكلام الاسلاميّ بوصفه منهجًا علميًّا موازيًا لمناهج العلوم الطّبيعة؛ ذلك لأنّ توظيف منهج ما باتّجاه معيّن وخاصّة إذا كان ديني يُعَدّ مخرجًا له من معيار الموضوعيّة العلميَّة، بل والموضوعيّة الفلسفيّة أيضًا، الّتي تفترض الحياديّة، إذ الفرق بين المتكلّم والفيلسوف على حَدّ تعبير وليام كريج ([20]) «يكمن في اختلاف منهجيّة الدّراسة عندهم، فعلى حين يأخذ المتكلّم بالحقيقة الّتي يقرّها الإسلام كنقطة بداية فإنّ الفيلسوف وعلى الرّغم من سروره باكتشافه مبادئ القرآن لكنّه لا يتّخذها مبتدأً لتفكيرهِ بل يتبع طريقة مستقلّة عن العقيدة الّتي يحملها دون أن يرفضَ أو يهمل بالضّرورة العقيدةِ الإسلاميَّة في مصادرها الأوّليّة»([21]).

الواقع إنّ الافتراضين، أعني: افتراض التّوظيف لإثبات الخالق وافتراض الّلاموضوعيّة والّلاحياديّة، جميعها ملتبسة على بعض من يقول بها؛ إذ هناك بون كبير بين مصداقيّة علم بحدّ ذاته، وتوظيف ذلك العلم باتجاهٍ معيّن؛ فالمعروف أنّ العلوم الطّبيعيّة تُوظَّفُ لخدمةِ الحياة الإنسانيَّة في المجالات التّكنولوجيّة بمستوياتها كافَّة، ولا إشكال في ذلك، فإنّ كانت نظريّة المتكلّمين ترمي إلى إثبات وجود الخالق، فلا يكون الطّعن فيها من باب ما تهدف إليه، بل من باب أسّسها النَّظريَّة وتنبّؤاتها ومدى مطابقة ذلك بالواقع. إذ لو افترضنا جدلًا أنّه وفي المستقبل تيقّن علماء الطّبيعية بأنّ قوانين الطّبيعة تؤكّد بما لا يقبل أدنى شكّ على وجود الخالق، وباتت هذه القناعة مسلّمة علميَّة لا يختلف عليها اثنان، فوقتها حين يُعمل العلم جدّه في توظيف مكتشفاته لإثبات وجود الخالق، لا يكون ملامًا على ذلك ولا مشكِّكًا في موضوعيته، فالأصل في صحّة علم ما إذن هو في طبيعة مناهجه ومدى تصديق الواقع الموضوعي لتفسيراته وتنبؤاته أو توقعاته لا فيما يرمي إليهِ من أهداف. 

صحيح أنّ علم الكلام ينطلق من مسلّمات قبليّة، وهو في توظيفه ذاك لا يسعى إلَّا إلى ترسيخ تلك القبليّة وهذا مخالف للموضوعيّة العلميَّة الّتي تتطلّب الدّوران في مدار الأدلّة والمكتشفَات لا ليّها لصالح الأفكار السّابقة. لكن علينا أن لا ننسى أنّ العلم الطّبيعي ليس بمنزّه عن مثل تلك المسلّمات كما في الرّياضيّات، وأمّا قضيّة الخلل في موضوعيّة علم الكلام كونه يُحاول إثبات أو –بالأحرى- تثبيت ما هو ثابت عنده سلفًا. كون ذلك لا يتطابق مع انفتاح العلم على جميع الاحتمالات، فذلك -في رأينا- مردود من حيث أنّ ما مطلوب قياس علم الكلام عليه هو الواقع الفيزيائيّ لا المعتقدات الدّينيّة، فالمهم بل الأهمّ علميًّا النّظر في آراء المتكلّمين ومحاكمتهم وَفق أحدث الاكتشافات والنّظريّات العلميَّة المعاصرة، فإن كان ما جاءوا به مطابق أو مشابه أو حتّى مقارب لما يقول به العلم الحديث، فالحكم المنطقيّ لعلم الكلام لا عليه، وذلك بصرف النّظر عن جميع الاعتبارات الدّينية الاخرى.

على الرّغم ممّا يَظهر من لا حياديّة منهج المتكلمين بالمقارنة مع مناهج الفلاسفة؛ إلَّا أنّ الطَّائي يؤكّد لنا أنّ دراسته المعمّقة لآرائهم ونظريّاتهم كشفت له عن أنّ المتكلّمين لم يجعلوا «نصوص القرآن مرجعًا حرفيًّا مباشرًا لهم، بل هو مرجع يقع في خلفيّة التّحليل العقلي» ([22]). من جهةٍ ثانية، فإنّ ما يبدو عليه الأمر من أنّ مسلك الفلاسفة أكثر تحرّرًا من المسلك الكلامي، من حيث أنّ المسلك الفلسفي لا يعتمدُ على مواقفَ سابقة؛ إلَّا أنّ الاستنباطات العقليّة الّتي يتوصّل إليها الفلاسفة فيما يتعلّق بالإلهيّات غالبًا ما تكون عرضة لمنتجات الوهم العقلي المحدود الّذي هو بالضّرورة قاصر عن إدراك الحقائق الغيبيّة بحكم كونه منتميًّا إلى عالم المادّة والحسّ؛ لذلك يرى الطَّائي أنّ الطّريق الأقوم بين هذين المسلكين هو عبر الأخذ بالمسلك الكلاميّ مع الانفتاح على المسلك الفلسفيّ، ففي كلا الحالين يكون القرار العقليّ هو الحكم النّهائي دون أن يكون النّقل بالضّرورة قيدًا ولا أن يكون العقل محدّدًا أوحدًّا([23]).

لعل ما يزيد الأمر وضوحًا أكثر هو النّقطة الّتي ركّز أكثر ما ركّز عليها الطَّائي في قراءته لتاريخ علم الكلام، وهي أنّ علم الكلام يتكوّن من قسمين: جليل الكلام ودقيق الكلام؛ أمّا جليل الكلام فهو: المسائل الّتي تتعلّق بالإلهيّات كصفات الباري وأفعالهِ وقدرته وعلمهِ وإرادته، إلى جانب البحث في مسائل القضاء والقدر والبعث والمعاد والنّشور وأفعال الإنسان وقدرته ومسؤوليته عنها. أسّس في هذا الجانب الكلامي أبو الحسن الأشعري (324هـ) في القرن الهجري الرّابع منهجًا جديدًا بعد أن انشقّ عن المعتزلة، لتكون له مفهومات تختلف عنهم. في مقابل دقيق الكلام وهو: المسائل الّتي تتعلّق بالطّبيعيّات، إذ بحثوا في أشياء العالم كلّها كالمادّة وصفاتها وتحوّلاتها وتفاعلاتها، والحركة والسّكون، والمكان والزّمان، والثّقل والممانعة، والوجود والعدم، وغير ذلك من الصّفات الطّبيعيّة والظّاهريّة «فخرجوا برؤيةٍ شاملةٍ قامت على جملة مبادئ وأسس عقليّة» ([24]). لأجل ذلك عرّف ابن خلدون علم الكلام بأنّه: «علم يتضمّن الحِجاج عن العقائد الإيمانيّة، بالأدلّة العقليّة» ([25]).

معنى ذلك هو أنّ جليل الكلام معنيٌّ بالعقيدة الدّينيّة الإسلاميَّة البحتة، وأمّا دقيق الكلام فهو يتناول أمور الطّبيعة وعلومها، وهذا مشترك بين النّظرتين الدّينيّة والعلميّة، وتجديد علم الكلام الّذي يتحدّث عنه الطَّائي هو انتقاء الجانب الطّبيعي في علم الكلام ودراسة مقارباته مع العلوم الطّبيعيّة لتأسيس منهجيّة علميَّة جديدة تُوازي المنهجيّة العلميَّة السّائدة، فتكون رديفًا له، تكملها وتتكامل بها. فليس علينا أن نُقيِّد أنفسنا أو نُلزمها بما قيَّد به المتكلمون الأوائل أنفسهم به أو ألزموها.

ما تميّز لدى الطَّائي من فرق بين جليل الكلام ودقيقه ممّا اختلط على كثيرين، حمله على أن يوجّه جُلّ اهتمامه في دقيق الكلام دون جليله لأنّه رأى أنّ «جليل الكلام القديم لم يعد يصلح لدور معاصر بما هو عليه وما كان انتهجه من سبُل»([26])، أي أنّ جليل الكلام وليد عصره وابن زمانه، ظهر لضرورة تاريخيّة، ولم تعد تلك الضّرورة قائمة ولا نافعة في زماننا هذا، ولهذا يرى ضرورة الّتعامل معه كتراثٍ متحفيٍّ لا أكثر من ذلك، وهو بذات النّظرة العلميَّة النّقديّة يتعامل مع دقيق الكلام حيث يقف منه موقف العاِلم المُمحِص، فهو لا يرى أن نأخذه بجملته على علّاته بل نأخذ منه «ما نجده فيه قابلًا للتّهذيب والتّشذيب حتّى يكون أرضيّة صالحة لزرع جديد ينمو متطوّرًا في رحاب العلم المعاصر ليكون منارًا إلى طريق جديد يدفع بالعلوم الطّبيعيّة نفسها إلى مراق جديدة»([27]). الطّائي بهذا مُصيب تمامًا، فلا ينبغي أخذ التراث كلّه ولا أن يترك كلّه أيضًا، بل يؤخذ ما يتناسب مع العصر وروحه، كما يجب ألَّا يبقيه المختصّين على ما هو عليه، بل يجب إجراء التّعديلات المناسبة في الصّياغة والمنطق والاجتهاد قدر المستطاع بما يتناسب والعصر.

لكلّ ذلك، فإنّ اختيار دقيق الكلام من قبل الطَّائي أتى لما وجده فيه من خصائص مزدوجة أو مركّبة، فهو من جهة يعتمدُ العقل وهذا مشترك مع العقلانيّة العلميَّة والتّفكير الفلسفيّ، ومن جهة أخرى يتّخذ من القرآن الكريم نقطة مرجعيّة في الانطلاق للتّفكير، وهذا امتداد للإيمان الدِّيني. والأهمّ من ذلك هو أنّ المسائل المبحوث فيها مشتركة بين العلم والدّين كالمكان والزّمان والحركة وما شاكل، فتلك المسائل ليست غيبيّة فينكرها العلم، ولا تناقض أو تتعارض مع العقيدة فينكرها الدّين.

 

قراءة دقيق الكلام تضامريًّا

التّضامر، نظرةٌ فلسفيّةٌ تفترضُ أنّ الأشياءَ عمومًا غير معزولة عن بعضها بعضًا بشكلٍ مطلقٍ أو تام، بل توجد علاقات أو تعالقات مُضمرة أو مُستترة فيما بينها، وأنّ تلكّ العلاقات المُضمرَة يُمكن كشف السّتار عنها وإظهارها في حالة وجود دلالة مُحدّدة بين تلك الأشياء، وفيما لو نُظِرَ في هذه الفكرة إلى العلوم؛ لأمكنَ إعادة صياغة الافتراض بالوجهِ القائل: إنّ العلوم على تنوّعها، مهما بدا فيما بينها –أو بعضها في الأقل- من تخالف أو تمايز حادّ أو قطيعة أو لا تماثل، فإنّها تضمر علاقاتٍ مستترةٍ غير مُعلنة فيما بينها، وأنّ الكشفَ عن تلك العلاقات قد يُمكّن من التّكامل أو التّتام أو التّآزر أو التّداعم فيما بينها. ووفقًا لذلك، فإنّ محاولة الطَّائي الكشف عن العلاقة بين دقيق علم الكلام الإسلامي وعلم الفيزياء الحديثة، تُعَدّ محاولة تضامريّة إلى حدٍّ كبير، من حيث أنّها سعَت للكشفِ عن نقطةٍ مُستترةٍ للتّقاطع بين مسارينِ لا متماثلين لم يزلْ يُظنّ منذ قرون أنّ ما بينهما ليس إلَّا فجوة فارغة.

إنّ فلسفة التّضامر تنبني على إقامة علاقاتٍ بين الّلامتماثلات، ذلك لاستخلاص تكاملاتٍ أو تكميلاتٍ مُستترة بالنّسبة لّلامتماثلين، ليرى كلًّا من الّلامتماثلين صورته المُضمرة في مرآة الآخر المظهرة. لفعل ذلك، أي: لابتناء علاقة تضامر يجبُ وجود ثلاثة معطيات، فإنّ وُجدت أمكن الاستفادة من مبادئ هذه الفلسفة وقوانينها لاستكناه المضمرات ورفع السُتر عنها. والحق إنّ محاولة الطَّائي قدْ توفّرت على المعطيات الثّلاث الكافيّة لبناء علاقة التّضامر، فالعلم الّذي أراد البحث فيه هو علم الكلام، والعلم الّذي أراد أقرانه به هو الفيزياء الحديثة، ومن البيّن القول بأنّهما علمين لا مُتماثلين، إذ يتبع فيه العَقل الوَحي والآخر يتبَع فيه العقل الكون، ولا وجه عِلمي ظاهر يلزم بتماثلهما من جميع النّواحي كتماثل علمي الفيزيَاء والفلك مثلًا أو علمي الجبر والهندسة. أمّا المعطى الثّالث هو الدّلالة المحدّدة، فقد كانت موضوعة دقيق الكلام؛ أي المفهومات والمسائل الطّبيعيّة المشتركة بين العلمين، كالزّمان والمكان والذّرة والحركة والسّببية والعدم والخلاء وما إلى ذلك. ولو أنّ الطَّائي تناول علم الكلام بجليله ودقيقه لحصل التباس في الدّلالة المحدّدة، إذ مسائل جليل الكلام كصفاتِ الله تعالى والغيب والقضَاء والقدر والجنّة والنّار وما إلى ذلك، ليست مشتركة بين العلمين. لكن لما خصّص الطَّائي مقارنته بدقيقِ الكلام فقد أبعد طيف الالتباس وأثبت دلالة صحيحةً فلسفيًّا. إذن، فقد توفّرت معطيات بناء علاقة التّضامر. وفيما يلي النّموذج الخاص بهذه المعطيات وَفق ما بينّاه في آلية العمل في العلاقات التضامرية:

التّصنيف  أ علم الكلام – الدقيق -مرتبة الطّبيعة
ب الفيزياء الحديثة -مرتبة الطّبيعة
النّوع (ı|ı) تضامر لا ذاتي عكوس
المجال (11) [الطّبيعة ← الطّبيعة]
القاعدة (1) ع أ ‡ ع ب ← د أ، دب
التّناسب طردي -بلا
المعطيات ع أ قضايا ومسائل في الطّبيعة
ع ب قضايا ومسائل في الطّبيعة
الصّيغة دقيق علم الكلام ı|ı الفيزياء الحديثة ←مباحث الطّبيعة المشتركة

وتُقرأ هذه صيغة العلاقة بالصّورة: إنّ دقيق علم الكلام الإسلامي يتضامر تضامرًا عكوسًا مع الفيزياء الحديثة بدلالة المعطيات المشتركة بينهما في مرتبة الطّبيعة. والنّتائج المتوقعة إجمالًا لمثل هذه العلاقة وَفق قوانين التّضامر الثلاثة ([28]) هي:

النّتيجة بما ان التناسب طردي، فما نتوقع الحصول عليه من هذه العلاقة هو ما يأتي:

1. يُفترض أنّه إذ اوُجدت معلومة في دقيق عِلم الكَلام الإسلامي؛ فإنّ تلك المعلومة تدلّ على وجود معلومة نظيرة لها مضمرة في الفيزياء الحديثة والعكس بالعكس، أي إذا وُجدت معلومَة في الفيزياءِ الحديثة، يُفترضُ وجود مايناظرها في علم الكَلام، حسب قانون التضامر الأول (قانون تضامر الوجود).

2. يُفترضُ أنّه إذا وُجدت مسألة معلومة في علم الكلام بطريقةٍ تختلفُ أو لا تماثل ما هو معلوم عنها في الفيزياء، فهذا يدلّ على أنّ معلومة علم الكلام تضمر الوجه الفيزيائي لتلك المسألة، والعكس بالعكس. حسب قانون التضامر الثاني (قانون تضامر الاجوبة).

3. يفترض أن يوجد لكل قضية أو مسألة أكثر من إجابة نهائية تتسم بالتكامل أو التكميل المتتام حسب قانون التضامر الثالث (قانون تضامر الاجوبة).

والآن… علينَا مُحاكمة آراء الطَّائي وفق هذا المنظور الفلسفيّ لنرى إلى أي مدى اقتربتْ أفكاره من فلسفة التّضامر، ولنرى أيضًا الجوانب الإضافيّة الّتي قد يُنبّه لها هذا المنهج الفلسفي ممّا لم يتطرّق له الطَّائي، ولا يحسب عليه تفويته لعدم دخوله في دائرة تخصّصه.

  

النّظير يستدعي نظيره (قانون 1)

لكي يثبتُ الطّائي وجهة نظرهِ، كان عليه أن يقومَ بدراسةٍ مقارنة بين مسائل دقيق الكلام ونظيرتها في الفيزياء الحديثة، ليكشفَ عن مدَى التّطابق أو الاختلاف في النتّائج، الأمر الّذي يتقرّر على أساسه علميّة الكلام من عدم علميته. فكانَ أنْ تتبّع ذلك حسب ما اختاره من مبادئ، إضافةً إلى عددٍ من المسائل، وهو الأمر الّذي سنناقشه في منظور التّضامر هنا. إذ يَفترض قانون التّضامر الأوّل (قانون تضامر الوجود) إمكانيّة أن يُستدلّ من وجود النّظير على وجود نظيرهِ أنطولوجيا وأبستمولوجيا، بحيث إذا وُجدَ معلوم في أحدهما (علم الكلام أو الفيزياء) فإنّ ذلك يُضمرُ الدّلالة على وجود نظيرهِ في العلم الآخر. وكما سنبين في المسائل الآتية:

المسألة1: لا نهائية العدم

المعطيات  

ع أ

تقرّر لدى المعتزلة كالقاضي عبد الجبار أنّ العدم لا نهائيّ ما يعني أنّه متّصل غير متجزئ، وعلى هذا فهو ليس بمعدود، ومن هنا فعنده أنّ الإحصاء في قوله تعالى: {وَأَحْصَى كلّ شَيْءٍ عَدَدًا} ([29]) يسري على الموجودات وليس على العدم ([30])، فالعدم والمعدومات عند المعتزلة خزين الممكنات للموجودات الّتي يُمكن أن توجد بإرادة الله تعالى وقدرته.
 

ع ب

وفقا لنظريَّة المجال الكمّي ([31]) ونظريّة ديراك الكمنسبويّة ([32])، فإنّ العدم يتّخذ بالفعل مجالًا لا نهائيًّا من الطّاقة يُسمَّى «بحر ديراك» ([33]) ويكون متّصلًا continuum غير معدود.
التوقّع ق1 حسب قانون التّضامر الأوّل، الّذي ينصّ على أنّ: «وجود شيء في أحد مرتبتين لا متماثلين يدلّ على وجودة نظيره في المرتبة الأُخرى». فإنّ من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمرُ الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مسألة لا نهائيّة العدم، وهو المطلوب.

 المسألة 2: شيئيّة المعدوم

المعطيات ع أ قالتِ المعتزلة: أنّ المعدوم شيء، وذلك اعتمادًا على أنّ حقيقة الشّيء هي كونه معلوًما؛ ولمّا كان المعدوم معلومًا؛ فإنّه ولا بد من أن يكون شيئًا أيضًا.
ع ب إنّ مفهوم شيئيّة المعدوم عند المعتزلة له قيمته العلميَّة المعاصرة، ذلك حين تقرّر في الفيزياء الحديثة إمكانيّة وجود جسيمات مجازيّة أو افتراضيّة في العدم، هذه الجسيمات هي أقدار من الطّاقة تتواجد لزمن يقع في حدود اللايقين الفيزيائيّ الّذي يحدّده مبدأ هايزنبرغ ([34])؛ أي أنّ الفيزيائيّ لا يتمكّن من قياس أيّ صفة لها قياسًا مباشرًا، بل يعمد إلى تخمين وجودها وصفَاتها بحسب ما تمليه عليه وقائع التّجربة وقوانين الفيزياء وأهمّها قوانين الانحفاظ ([35]). مثل هذه الجسيمات يكون لها معنى أبستمولوجي دونَ أن يكونَ لها وجود أنطولوجي؛ لذلك فنحن –والحديث للطَّائي- نتعاملَ مع هذه الجسيمات على الورقِ دونَ أن نستطيعَ الإمساك بأيّ منها عمليًّا، فهي في حقيقتها الأنطولوجيّة معدومَة، وفي معناها الأبستمولوجي موجودة. لقد أدّى افتراض وجود مثل هذه الجسيمَات إلى حلّ مُشكلاتٍ كثيرةٍ في نظريّة المجال الكمومي منها تفسير القوى النّوويّة.
التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مسألة شيئية المعدوم، وهو المطلوب.

 المسألة 3: الجوهر الفرد

المعطيات ع أ إنّ أغلبَ المتكلّمين قالوا بمبدأ تجزئة الجسم إلى أجزاء أصغر وأصغر حتّى نصل إلى حدّ تقف عنده التّجزئة، أطلقوا عليه اسم (الجوهر الفرد) لكونه الجزء الّذي لا يتجزّأ، ولهذا الجزء خصائص غريبة، فهو -وكما نصّ على ذلك أبو الهذيل العلاف-: «لا طول له ولا عرض له ولا عمق له ولا اجتماع فيه ولا افتراق، وأنّه يجوز أن يجامع غيره وأن يفارق غيره»([36])، وهو متناه إذ عندهم «أنّ كلّ ما حصره متناه يجب أن يكون متناهيًا، وما لا يتناهى لا يحصره متناه»([37])، فالجوهر الفرد عند المعتزلة أشبه بالنّقطة لكنّه ليس النّقطة الهندسيّة نفسها([38]). تلك النّقطة الّتي لا تتجزّأ هي في واقع الأمر عندهم لا أبعاد لها في حالتها المنفردة، لكن تُصبح لها أبعادًا عند انضمامها إلى آخر من جنسها.
ع ب يرى الطّائي أنّ مواصفات الجوهر الفَرد غريبة على المنطق التّجسيدي؛ ولكنّه وجدَ عمقه في اجتماع الكواركات ([39]) الّتي يعرف الفيزيائيّون أنّ لا وجود ماديًّا لها منفردة لتكوين الجسيمات الأوّليّة الّتي هي موجودات ماديّة لها أبعاد. يُضيف الطَّائي شارحًا: أنّ التّحيّز بمفهومه المعاصر على المستويات الذّريَّة وتحت الذّريَّة إنّما هو تراكب أحوال مختلفة لدالة الموجه بأطوار مختلفة تجتمع معًا حتّى تؤلف ما نسمّيه الرّزمة الموجيّة ([40]).
التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مسألة الجوهر الفرد، وهو المطلوب.

 المسألة 4: الوجود غير المتحيّز

المعطيات ع أ ذهبَ المعتزلة إلى أنّ الجوهر في حال عدمه يكون موجودًا ولكنّه غير متحيّز، ولأجل ذلك لا يُسمَّى وقتها جوهرًا؛ لأنّ الصّفة الأساسيّة للجوهر تحيّزه في الخلاء، بل يُسمَّى شيئًا فقط.
ع ب يرى الطّائي أنّ العدمَ شيء من النّاحية الأبستمولوجيّة؛ ولكن هذه الشّيئيّة لا تتحقّق أنطولوجيًّا إلَّا عند خروج الشّيء من العدم إلى الوجود. وَفق هذا المفهوم يُصبح الوجود ممكنًا دومًا لأنّه إخراج المعدوم المعلوم إلى الوجود. هكذا يُمكن فهم عمليّة الخلق كأنّها فتح طيّات الوجود من العدم. ويؤكّد أنّ هذه الفكرة الكلاميّة لها صدى في الفيزياء المعاصرة في الفيزياء المعاصرة وفي فلسفة الفيزياء أيضًا إذ يعتقد أنّ الخلق هو تحويل العدم المطوي إلى موجودات. إذْ في نظريّة ديراك الّتي حاول فيها الجمع بين النّسبيّة الخاصّة وميكانيكا الكم، توصّلت الصّياغة النّهائية لها إلى نتائج تذهب إلى أنّ الفراغ فيه طاقة، الأمر الّذي يماثل القول إنّ العدم ليس إلَّا بحرًا من الطّاقة السّالبة ([41]) سمّي بحر ديراك، وهو مشبّع بجسيماتٍ (جواهر) غير متحيّزة، لم تأخذ هويّتها الأنطولوجيّة بعد، بل هيموجودات ذات قيمة أبستمولوجيّة وحسب. إذا وقعت عمليّة الخلق تحول المعدوم إلى موجود.
التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مسألة الوجود غير المتحيّز، وهو المطلوب.

المسألة 5: البُعد المَكاني

المعطيات ع أ المكان عند المتكلّمين هو بعد ماديّ ينفذ فيه الجسم أبعاده. هناك مكان آخر عند المتكلّمين هو الخلاء، هو الّذي لا يوجد فيه إلَّا الجواهر الفردة، فالّذي له حجم كالأجسام يكون في المكان، والّذي ليس له حجم كالجواهر تكون في الخلاء.
ع ب يؤكّد الطَّائي على أن المفهوم الفيزيائيّ الحديث والمعاصر يُقرّ بوجود المكان والخلاء بالمفهوم الّذي ذكره المتكلّمون.
التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مسألة البُعد المَكاني، وهو المطلوب.

المسألة 6: مبدأ حُدوث العَالم

المعطيات ع أ يتلخّص مبدأ الحدوث بأنّ العالم بما فيه من موجودات له أوّل، أي: له بداية في الزّمان، وبرهانهم هو أنّ مجرّد التّغيير دال على الحدوث؛ لأنّ القديم لا يقبل التّغيير.
ع ب إنّ الأرصاد الكونيّة المعاصرة ونظرية النّسبيّة العامّة تحتوي على هذا التّصور وتقرّر أنّ الزّمان والمكان ولدا معًا في صيرورة الكون الأولى. أشهر نظريّة تحدّثت عن ذلك هي الانفجار العظيم ([42])، وقد بينّت الحسابات وفقًا لها أنّ الكون بدأ وجوده منذ زمن محدّد مضى يقدّره الفلكيون 13.8 مليار سنة.

الملاحظةُ الموضوعيّة الجديرة بالاهتمام الّتي يُشير إليها الطَّائي هنا هي: أنّ مبدأ الحدوث لا يقتضي بالضّرورة إثبات الخالق على الوصف العقائدي الّذي قدّمه المتكلّمون؛ إنّما يقترح أنْ يكون للعالم بداية في الزّمان وحسب. أمّا إثبات وجود الخالق قيامًا على مبدأ الحدوث فذلك شيء آخر ([43]).

التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مسألة حدوث العالم، وهو المطلوب.

المسألة 7: مبدأ تجدّد الخلق (الخلق المُستمر)

المعطيات ع أ هذا المبدأ من أهمّ مبادئ علم الكلام لدورهِ الكبير في صياغة النَّظريَّة الكلاميّة للعالم فلسفيًّا وعلميًّا. تبرز أهميّة هذا المبدأ في تفسيره لكيفيّة تواصل الأزلي والقديم الّلازماني مع المحدث الزّماني.

يرتكزُ مبدأ التجدّد –أساسًا- على فكرة تجدّد الأعراض الّتي طرحها المتكلّمون ضمن نظرّيتهم الذّريَّة في الجواهر والأعراض، فصفات الأشياء تجدّد دومًا فتخلق خلقًا جديدًا ربمّا على القيمة بعينها أو على قيمة أخرى مغايرة. فـ «العرض لا يبقى زمانين»، وتوضيح ذلك كما يشرحه موسى بن ميمون هو: «عندما يخلق عرض يذهب ولا يبقى فيخلق الله عرضًا آخر من نوعه فيذهب أيضًا ذلك الآخر فيخلق ثالثًا من نوعه هكذا دائمًا طالما يريد الله بقاء ذلك العرض. فإنّ أراد تعالى أن يخلق نوعَ عرضٍ آخر في ذلك الجوهر خلق، وإنْ كفّ عن الخلق ولم يخلق عرضًا عُدم ذلك الجوهر» ([44]).

هذا المبدأ يقول به أيضًا الأشاعرة ([45]) والماتريديّة ([46]) فهم جميعًا مؤمنون بتجدّد الأعراض وعدم بقائها، فعدم بقاء الأعراض كما يصرح البزدوي ([47]) هو قول أهل السّنة والجماعة([48])، كذا قال الباقلاني([49]) معبرًا عن الأشاعرة: «والأعراض هي الّتي لا يصحّ بقاؤها وهي الّتي تعرضُ في الجواهر والأجسام وتبطل في ثاني حال وجودها»([50]).

ع ب من النّاحية الفيزيائيَّة أنّ القيم الّتي نقيسها –كما يقول الطَّائي- للكميّات الفيزيائيَّة هي ليست القيم الآنية بل هي نوع من قيم متوسّطة (معدلات) للقيم الآنية. هذا يدلّ على وجود قدر من اللايقين في القياسات الفيزيائيَّة بالضّرورة. فحوى هذا اليقين يشرحه الطَّائي وفق المنظور الفيزيائيّ بالوجهِ الآتي: خذْ جسمًا متحرّكًا، هذا الجسم من المنظور الفيزيائيّ يبدّل موقعه مع مرور الزّمن. أمّا منظور تجدّد الخلق فإنّ موقع الجسم يتبدّل في كلّ آن، فلو أنَّنا حدّدنا موقعًا وليكن (س) مثلًا، ففي اللّحظة التّالية ستجدّد هذا الموقع وحال التّجدد تتغيّر حالة الجسم بموجب ذلك التّغير في المكان، هذا يؤدّي إلى التّأثير في المكان نفسه؛ ما يجعله غير قابلٍ للتّحديد بدقّةٍ مطلقة أبدًا؛ إذ سيظهر لدينا قدر من عدم تحديد يلازم أيّ عمليّة قياس للموقع (مكان الجسم) وللتّغيير في الموقع آنيًا مع بعضهما، هذا يعني أنّ مبدأ التّجدد يفضي إلى ضرورة حصول قدر أدنى من اللايقين الملازم لتعيين موقع الجسيم وزخمه آنيًا. هي نتيجة تتطابق مع مبدأ هايزنبرغ في اللايقين الّذي يمثّل أحد الأعمدة الرّئيسة الّتي تستند إليها ميكانيكا الكوانتم.

من جانبٍ آخر، يجيب مبدأ التّجدّد عن السّؤال بشأن الجسم السّاكن، هل تجدّد الأعراض يُفضي إلى ظهور حركةٍ فيه؟ الجواب بحسب ما يوردهُ الطَّائي: نعم، إنّ تجدّد عرض الموقع يُتيح أنْ يُخلق الموقع الجديد إلى يمين الموقع الأصل أو إلى شماله وذلك لأنّ التجدّد متاح بفعل التغيير التفاضلي هذا يكون بقدر من اللاتحديد يسمح بزيادة طفيفة أو انقاص طفيف، وهذا الإمكان مُتاح بحصّة متساوية؛ لذا فلا يوجد جسم ساكن سكونًا مُطلقًا أبدًا، بل محصّلة الحركة الفعليّة بالجملة ستكون صفرًا، فلا يبرح الجسم مكانه مع حركته الموضعيّة، هذا ما يُعبّر عنه في نظريّة الكوانتم بأنّ القيمة المتوقّعة لسرعة الجسم السّاكن أو زخمه هي صفر دومًا؛ وذلك لأن القيمة المتوقّعة هي معدّل قيمة المتغيّر.

إذن، بحسب الطّائي، إذا وضعنا هذا المبدأ في السّياق العلمي الفيزيائي سيمكِّننا مثلًا من فهم لماذا تكون قياسات المتغيّرات الفيزيائيَّة احتماليّة جوازيّة خاضعة لمبدأ اللايقين وليست حتميّة.

من جانب آخر يُمكن فهم أن مبدأ التجدّد يفضي بالضّرورة إلى تجديد المخلوق ومن ثمّ تطويره تدريجيًّا، وهذا ما يقع تحت مضمون ما يسمى جدل الطّبيعة في الفلسفة الماركسيّة، وهذا هو أساس مبدأ التطوّر الّذي يعمّ كلّ شيء في دقيق الكلام الإسلامي.

التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مسألة تجدّد الخلق، وهو المطلوب.

المسألة 8: مبدأ التّجويز والاحتمال

المعطيات ع أ خلاصة هذا المبدأ القول: إنّ حوادث العالم تقع على سبيل الاحتمال والجواز لا على سبيل الحتم السّببي؛ فالأشياء لا تفعل بذواتها لطبع كامن فيها بل إنّ الفاعل الحقيقي هو قوّة أخرى هي خارج العالم بالضّرورة ولا تنتمي إليهِ وإنّما الأشياء وصفاتها وسائط «فإذا كان من شأن الماء السّيلان ففي مقدور الله أن يمنعه من ذلك، وإن كان من شأن الحجر الثّقيل الانحدار ففي مقدور الله أنْ يمنعه من ذلك» ([51]). الأساسُ العقائدي لهذا المبدأ هو قيوميّة الله على العالم ودوره الدّائم فيه.
ع ب في إطار التّصرّف الفيزيائيّ للعالم، فإنّه وحسب هذا المبدأ تُقرأ القياسات الفيزيائيَّة على أنّها جوازيّة وليست حتميّة، هذا ما كشفت عنه فيزياء الكمّ المعاصرة كما يؤكّد الطَّائي؛ إذ وفقًا للتّصوّر الكمومي أنّ المُسَببْ يقع جوازًا عند وجود السّبب، ليس كما كان سائدًا ولا يزال متداولًا عند بعضهم من أنّ المُسبّبَ يقع وجوبًا حال وجود السّبب. ولقد برز مفهوم اللاحتم الفيزيائيّ نتيجة للتّصوّر الموجيّ للجسيمات الّتي قادت إليهِ تجارب وظواهر فيزيائيّة مطلع القرن العشرين.
التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مبدأ التجويز والاحتمال، وهو المطلوب.

المسألة 9: نسبيّة الزّمان والمكان

المعطيات ع أ تتلخّص نظرة المتكلّمين للزّمان والمكان في أنّهم:

* الزّمان مؤلّف من أجزاء صغيرة منفصلة متعاقبة لا تقبل القسمة، فهو يرتكزُ على الانفصال لا الاتصال.      

* قالوا بنسبيّة الزّمان ونسبيّة القبل والبعد واعتمادها على الرّاصد.

* رفضوا القول بوجود زمان مطلق أو مكان مطلق.

* ربطوا بين الزّمن والمتزمّن فيه، مثلما ربطوا المكان والمتمكّن فيه، فهم لا يتصوّرون الزّمان والمكان مستقلّين عن محتوياتهما، بل يربطون بين الشّيء ومكانه وزمانه ويجعلون من ذلك وحدةً واحدة.

* عدّوا وجود الزّمان والمكان حاصل مع وجود العالم لا قبله.

* الزّمان والمكان لدى المتكلّمين جنس واحد فهما «ماهيّتان لا معنى لأحدهما دون الآخر وُجدا مع خلق العالم وليس قبله ولا معنى لوجودهما بعدَه»([52])؛ لذلك يَستخدم الغزالي في أحيانٍ كثيرةٍ أثناء حواراته عن خلق العالم مُصطلحَي: البُعد الزّماني والبُعد المكاني، وتعلّقهما ببعضهما كما في قوله: «إنّ كان البعد المكاني تابع للجسم فالبعد الزّماني تابع للحركة… ولا فرقَ بين البعد الزّماني الّذي تنقسمُ العبارة عنهُ عند الإضافةِ إلى (قبل) و (بعد) وبين البُعد المكاني الّذي تنقسمُ عنه عند الإضافةِ إلى (فوق) و (تحت)»([53])؛ الأمر الّذي يُؤكّد كما يرى الطَّائي أنّ الغزالي يُدركُ بأنّ خارج العالم لا خلاء ولا ملاء، وبموجب ذلك أصبح البعدين الزّماني والمكاني بما يتضمّناه من قبل وبعد وفوق وتحت نسبيّان. هذا كما تَقرّر لدى الطَّائي بحدّ ذاتهِ إضافة مفاهيميّة نوعيّة تعكسُ استيعابًا علميًّا راقيًا للمسألة.

ع ب يرى الطَّائي أنّ لهذه الآراء الكلاميّة قيمة علميَّة معاصرة تقعُ في أنّ قولهم بنسبيّة الزّمان والمكان ورفضهم لوجود الزّمان المطلق والمكان المطلق. هذه قضيّة لم تتّضح علميًّا إلَّا عام 1905 على يد ألبرت أينشتاين.
التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مسألة نسبية الزمان والمكان، وهو المطلوب.

المسألة 10: الحركة

المعطيات ع أ * لا يوجد سكون للأجسام سكونًا مُطلقًا، يقول النظّام: «لا أدري ما السّكون إلَّا أنْ يكون يعني كان الشّيء في المكان وقتين أي تحرَّك فيه وقتين» ([54]). هي فكرة جوهريّة بحسب الطَّائي ومعناها: أنّ الجسم إذا لم يبرحْ من مكانه فهو يتحرّك في اتجاهين متعاكسين بحيث تكون محصّلة الحركة صفر. ثُمَّ يؤكّد بأنّ هذا واحد من التّوصلات المعاصرة الّتي يُفيدنا بها ميكانيكا الكم، فلا شيء في العالم يُمكن أن يكون ساكنًا سكونًا مطلقًا.

* الفكرةُ الجوهريّة الأخرى هي القائلة بأنّ الحركة لا بدّ من أن تكون مكمّمة، ومعنى أنّها مكمّمة أنّ الحركة تتمّ بطفرات، والقول بالطّفرات يتطلّب وجود سكنات في أثناء حركة الجسم؛ لذا كان البطيء كما يعرفه الآمدي «عبارة عن كثرة تخلل السّكنات، والسّرعة عبارة عن تقللها» ([55])؛ لذا فالحركة ليست متّصلة بل متواصلة، فهي حركات متعدّدة متعاقبة.

* يرى النّظام أنّ الجسم وهو يتحرّك لا يستوجب أنْ يُحاذي (يُلامس) جميعَ الأجزاء بل يمكنهُ أنْ يقطع بعضها ويطفر عن الأُخرى فلا يكون لهُ وجود عندها أي في أثناء الطّفر. وقد أوردَ هذه الفرضيّة الّتي عُرفت باسم (فرضيّة الطّفرة) الأشعري في المقالاتِ حيثُ قال: «واختلف النّاس في الطّفرة فزعم النّظام أنّه قد يجوز أن يكونَ الجسم الواحد في مكانٍ ثُمَّ يصير إلى المكان الثّالث ولم يمرّ بالثّاني على جهة الطّفرة» ([56]). يُعلّق الطَّائي على ذلك بالقول: وهذا معناه أنّ الحركة ينبغي أن تكون متقطّعة، وفي اصطلاحنا المعاصر نسمّيها حركة مكمّمة، فلا تكون الحركة متّصلة بل مُتواصلة يمرّ اثناءها الجسم بمواقع معيّنة في أثناء المسافة الّتي يتحرّك عليها فيحاذي بعضها ولا يمرّ بالأخرى بل يطفر عنها طفرًا.

ع ب يذكر أنّ الفيزيائي الألماني المعاصر (ماكس ييمر) علّق على هذا المذهب معتبرًا أنّ النظّام كان مفكّرًا كموميًّا رائدًا ([57]). إلى ذلك فمن المعروف أنّ لحركة الكموميّة في العالم المجهري، عالم الذّرات والجزيئات تتّخذ صيغة الطّفر، هذا ما يحصل للإلكترون في الذّرة؛ إذ ليست كلّ المواقع المكانيّة في الذّرة مسموحة لتواجد الإلكترونات، بل هناك مواقع معلومة مخصوصة يُمكن أن توجد فيه الإلكترونات ومواقع ممنوعة عليها، هذا ما يجعل الحركة في الذّرة مكمّمة وهو ما يجعل الحركة الفعليّة للجسيمات المجهريّة تتّخذ شكل الطّفرة أو القفز فوق الأماكن الممنوعة، فيكون الحال أنْ يختفي الإلكترون في الموضع ويظهر في آخر.
التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مسألة الحركة، وهو المطلوب.

المسألة 11: مبدأ السّببيّة

المعطيات  

ع أ

نفى المتكلّمين القول بالطّبع الفاعل بذاته أو الحتميّة السّببيّة، أي حتميّة فعل القانون الطّبيعي، منطلقين من مبدأ لا فاعل على وجه الحقيقة إلَّا الله، فهو الفاعل وكل ما عداه من تعلّقات واقتراناتٍ وملاحظاتٍ جرت مجرى العادة. قال كبار المعتزلة بمبدأ التّجويز وفيه أنّه من الجائز على الله تعالى أن «يجمع بين القطن والنّار ولا يقع إحراق، وبين الحجر على ثقله والجو على رقّته ولا يفعل هبوطًا» ([58]).
 

 

 

 

 

 

 

 

ع ب

يناقشُ الطَّائي التّغيرات الّتي حصلت في النّظرة العلميَّة فيصلُ إلى أنّ «الحقيقة العلميَّة ليست بذلك القدر من اليقين الّذي يجعلها مطلقة، بل هي تصوّر ما قد يكون على قدر كبير من المصداقيّة وقد لا يكون» ([59]). أنّ الفيزياء المعاصرة قد كشفتْ عن انفصامٍ جذريٍّ بين السّببيّة والحتميّة، وكشفت عن لا حتميّة الظّاهرة الطّبيعيّة. إلى جانب ذلك، فإنّ القانون الطّبيعي لم يعدْ على هذا قائمًا بتلك الصّرامة التّقليديّة «وحيثُ إنّ القوانين الّتي نسمّيها (علميَّة) هي نتاج تفكيرنا وفهمنا للعالم وليس بالضّرورة تعبير يقينّي عن مفرداتٍ وعلائق وأوصاف الظّاهرة؛ فإنّ حقيقة القانون الطّبيعي لم تعدْ تمتلك قيمتها إلَّا بقدر انطباقها على الواقع وبقدر تصديق التّجربة لها» ([60]). هكذا تغدو العلائق السّببيّة كما يقول (ماكس بلانك) ([61]) محض «تعليمات إرشاديّة أو علامات على الطّريق تساعدنا على إيجاد طريقنا وسط المتاهة المحيّرة للحوادث ويرشدنا إلى الاتّجاه الصّحيح الّذي ينبغي أن يتقدّم فيه البحث لكي يحقّق نتائج مثمرة» ([62]).

أمّا عن التّفسير لما يظهر لنا أنّه علاقة سببيّة حتميّة في الحوادث، فيذهبُ الطَّائي إلى أنّ التّفسير يوجد في مبدأ (الخلق المتجدّد)، وذلك أنّ وقوع الحوادث في وجهها الطّبيعي الظّاهري إنمّا يكون وفقًا لهذا المبدأ احتماليًّا جوازيًّا وليس حتميًّا. من جانب آخر، فإنّ مبدأ الخلق المتجدّد «يضمنُ بوجهٍ من الوجوهِ وليسَ على الإطلاق ضرورة، وجود الفعل الإلهي القائم وراء ديمومة التّجدّد وصلاحيّة الاختيار بين ما هو مُمكن لحالة الّصفة المتجّدّدة؛ لذلك ليس من مانعٍ عقائديٍّ يمنعُ القول إنّ الله قادرٌ على أن يخلقَ في الأشياءِ خصائص مثل: الحرارة الكامنة في القطن الّتي هي أواصر كيميائيّة تنطلقُ حين تتفكّك جزيئات القطن وتتأكسد. إنّ الله تعالى خلق الأشياء وفيها خصائص مُعرَّفة وهو يُعيدُ خلق هذه الخصائص كلّ آن، فإنّ أرادَ استبدالها في خلقةٍ أخرى في أيّ آن من آنات تجدّد الخلق فعل» ([63]).

من هنا يذهب الطَّائي إلى التّشديد على ضرورة استيعاب أنّ المفهوم المعاصر للاحتمال واللايقين الظّاهر في قياسات العوالم المجهريّة هو في الحقيقة نتيجة مباشرة لمبدأ الخلق المتجدّد. وينتهي إلى تقرير أنّ بإمكاننا القول بوجود الطّبائع مع القول بأنّها لا تفعل بذاتها.

 

التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مبدأ السببية، وهو المطلوب.

المسألة 12: الكموم العدديّة

المعطيات ع أ ميّز ابن رشد ([64]) بين نوعين مُتشابهين من الكموميّة، وهما «الكموميّة المنفصلة والمتّصلة»، وعنده أنّ الكميّات المنفصلة يصدق فيها العدَد، أمّا الكميّات المتّصلة فلا يصدق فيها ذلك، أي لا تُقاس بالأعداد «ولذلك نقول في الكمّ المتصل إنّه أعظم وأكبر ولا نقول أكثر وأقل، ونقول في العددِ إنّه أكثر وأقل ولا نقول أكبر وأصغر؛ ذلك لأنّه يرى بأنّ الكموم المتّصلة وحدات بسيطة لا تتركّب من وحدات أبسط منها، فالفيل مثلًا كّله وحدة واحدة بسيطة غير مركّبة من أجزاء، كذلك النّملة وحدة واحدة، وأيضًا الجبل… وهكذا.

أمّا الكموم المنفصلة كالعدد مثلًا، فهي الّتي تكون فيها كثرة الوحدات وتعدّدها، «وعلى هذا القول [أي القول بالجوهر الفرد] تكون الأشياء كلّها أعدادًا ولا يكون هنالك عظم متّصل أصلًا، فتكون صناعة الهندسة هي صناعة العدد بعينها» ([65]).

ع ب ما توصّل إليه ابن رشد هو استنتاج اعتُمدَ بالفعل في الفيزياء الحديثة، ذلك مع بداية القرن العشرين عندما تحوّلت البنية الذّريَّة للمادة والطّاقة نفسها من التّعبير الكمّي المتّصل إلى تعبيرٍ عدديٍّ منفصل، فقد كان معروفًا أنّ الكمّيات الفيزيائيَّة كالطّاقة والزّخم الزّاوي والشّحنة متّصلة، غير أنّ القول بذريّة تلك الكميّات أدّى إلى أنْ تصبحَ جميعها أعدادًا وليس من شيءٍ مُتّصل. فعلًا –كما يُؤكّد الطَّائي- أنّ صناعة الهندسة أصبحت صناعة العدد بعينها، فاليوم يتعامل في الفيزياء الذّريَّة مع مداراتِ الإلكترونات بدلالة ما يُسمَّى بالأعدادِ الكموميّة وليس بدلالةِ أشكالها الهندسيّة.
التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مسألة الكموم العددية، وهو المطلوب.

 المسألة 13: عدم ثبات حجم الكون

المعطيات ع أ ذهبَ الغزالي إلى أنّ حجمَ العالم غير ثابت لضرورةٍ وجبت، إذْ يُمكن أن يكون أصغر ممّا هو عليه أو أكبر.
ع ب تبيّن من أحدثِ النَّظريَّات العلميَّة أنّ الكون يتوسّع ليكون أكبر ممّا هو عليه، بعد أنْ كان قبل ذلك أصغر ممّا هو عليه الآن، هذه النَّظريَّة العلميَّة السّائدة كما يُشدّد الطَّائي لا يختلف عليها اثنان من علماء الفيزياء والفلك الآن، مع أنّهم لم يكونوا ليقبلوها لولا أنْ أجبَرتهم عليها نتائج الأرصاِد الفلكيّة ([66]). على هذا فإنّ رأي الغزالي كان صائبًا وهو قد قال به من منطلقٍ فكريٍّ محض، يستندُ إلى العقيدة الإسلاميَّة، والإبداع الفكريّ الإسلاميّ منذ ألف سنة. علمًا أّن مثل هذا المنطلق كان ثوريًّا على حينه فلم يكن ليقبل به الفلاسفة والعلماء آنئذ.
التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مسألة عدم ثبات حجم الكون، وهو المطلوب.

 المسألة 14: عدم ثبات كتلة الشّمس

المعطيات ع أ ذهبَ الغزالي إلى القول بإمكانيّة أنّ الشّمس تذبلُ لكن الحسّ لا يقدر أن يدركَ ذلك وهو يقول في ذلك: «كما أنّ الياقوت والذّهب مُركّبان من العناصر وهي قابلة للفسَاد، ثُمَّ لو وُضعت (تُركت) ياقوتة مائة سنة لم يكن نقصها محسوسًا، فلعلّ ما ينقص من الشّمس في مدّةِ تاريخ الأرصاد كنسبةِ ما ينقصُ من الياقوتةِ في مئةِ سنةٍ وذلك لا يظهر للحسّ» ([67]).
ع ب لقد بات واضحًا من حساباتِ العلم الحديث أنّ الشّمس تفقدُ من كتلتها حوالي (3600 مليون طنٍّ في الثّانيةِ)، هذه الكّميّة من المادةِ المتحوّلة إلى طاقةٍ تُنتشرُ في الفضاءِ على شكلِ حرارةٍ وضوء؛ لذا فإنّ كتلة الشّمس تتناقصُ تدريجيًّا. يُقدِّرُ الفلكيون أنّ كميّة الهيدروجين المتوفّرة في الشّمس قادرة على إدامةِ هذا العطاء لمدّةِ خمسة ملياراتٍ سنةٍ أُخرى. الملاحظةُ الأهمّ هي أنّه مع أنّنا لا نّراها يعتريها الوهن والذّبول فهي في الحقيقةِ تذبل تدريجيًّا؛ ولكن الذّبول لا يظهر للعيان. من هنا نخلصُ إلى القولِ إنّ الغزالي في تجويزه لذبول الشّمس كانَ هو الصّحيح.
التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مسألة عدم ثبات كتلة الشّمس، وهو المطلوب.

 المسألة 15: عدم تأثير الأفلاك والنّجوم

المعطيات ع أ كانَ من الشّائع لدى المنجمّين وبعض الفلاسفة كأفلاطون وأرسطو أنّ للأفلاكِ السّماويَة دورًا مُهمًّا في تدبير العالم على الأرض أو ما يُسمّونه العالم السّلفي الّذي تحت كرة القمر ([68])؛ ولكن المتكلّمين نفوا تأثير الأفلاك على الأرض ومن عليها، وقد نفوا قبل هذا التّقسيم المفتعل إلى عالمٍ علويٍّ وعالم سفلي. ممّا جاء في معرض ردّهم قول الباقلاني أنّ الأفلاكَ السّبعة «جارية مجرى سائر أجسام العالم وذلك أنّه قد جاز عليها من الحدّ والنّهاية والتّأليف والحركة والسّكون والانتقال من حالٍ إلى حال ما يجوز على سائر أجسام العالم فلو جازَ أنْ تكون قديمةً مع ما وصفنا؛ لجاز قدم سائر الأجسام» ([69]).
ع ب هذا كلامٌ خطيرٌ في عصرهم بحسبِ ما يصفُ الطَّائي؛ لأنّه كان مخالفًا تمامًا لما كان عليه الفلاسفة، فإنّهم كانوا يقولون أّن أجرام السّماء تختلفُ عن الأرض وعالم الكون والفساد، فأجرام السّماء من طبيعة خامسة تختلفُ عن الطّبائع الأربعة، هي من طبيعة أثيريّة خاصّة ([70])، في حين نفى المتكلّمون كلّ هذه المزاعم وأثبتُوا بُطلانها. لعلّه من نافلة القول الإشارة إلى أنّ مقولات المتكلّمين في هذه القضيّة مطابقة تمامًا للواقع العلميّ المعاصر.
التوقّع ق1 من المتوقّع أنّ المعطى الكلامي يضمر الدّلالة على وجود ما يُناظر ذلك في الفيزياء.
النّتيجة الفيزياء والكلامَ متناظران تشابهيًّا بدّلالة مسألة عدم تأثير الأفلاك والنجوم، وهو المطلوب.

  

النظير يُفسّر نظيره (قانون 2)

من المعايير العلميَّة لقياس قوة نظريّة ما هو مدى قدرتها على التّنبؤ أو التوقّع فضلًا عن الّتفسير. لقد أشار الطَّائي أنّ بعض المواطن في علم الكلام، يُمكن أن تكون حلولًا جذريّة لعددٍ من المعضلاتِ الّتي لا يزال العلمُ مُتذبذبًا فيها وعصيًّا عليه البَتُ بأمرها. هذا يعني أنّه إنْ توصّل العلم مستقبلًا لما تطرّق له الطَّائي، فسيشكّل ذلك حجّةً مزدوجةً، من جهةٍ تُبرهن على علميَّة الفيزياء الكلاميّة، ومن جهةٍ أُخرى تؤكّد نظريّة الطَّائي حول صلاحية العقلانيّة الكلاميّة الإسلاميَّة إلى أنْ تكونَ رديفًا للعقلانيّة العلميَّة الطّبيعيّة، هذا فضلًا عن ترسيخِ فكرَة تطوير هذا العلم وتجديده بما يتوافق وأساليب مناهج العلم الحديثَة. لأجلِ ذلك، يُمكن من خلال علاقة التّضامر توقّع ما سيتوصّل إليهِ العلم في القضايا والمسائل الّتي لم يقل كلمته الأخيرة فيها، ذلك بناءً على ما هو مُتاح من معطياتٍ في علم الكلام، وكما مبيّن فيما النّماذج الآتية:

قضيّة ذريّة الزّمان:

نَبَّه الطَّائي إلى فكرةٍ أصيلةٍ في علمِ الكلام وهي قضيّة ذريّة الزّمان، أي أنّ مفهوم الزّمان عند المتكلّمين كمومي وليس اتصالي كما هو معروف لحدّ الآن. ولو أنّا صِغنا علاقة التّضامر لهذه الفكرة لكانت بالصّورة:

تواصليّة الزّمان (ذريّته) كلاميا ı|ı اتّصاليّة الزّمان فيزيائيًّا ← علم الكلام

ما ينتجُ عن ذلك -وفقَ القانون الثاني للتَّضامر- هو التوقّع القائل: إنّ الفيزيائيين سيقولونَ بهذا الاحتمال ضمن النَّظريَّات المُعاصرة أو ربّما ما بعد المُعاصرة؛ الأمرُ الّذي قد يُساعد على الوصولِ إلى الصّيغة التّوحيديّة للقوى الأربع.

بتعبيرٍ آخر، وبصيغة فلسفة التّضامر: أنّ معلوم علم الكلام في الزّمان يكشف مجهول الفيزياء الحديثة بدلالة مفهوم الذّريَّة.

بالتّأكيد ليس شرطًا أنْ تكون طريقة التّفسير الفيزيائي لذريّة الزّمان أو عدم اتصاليتهِ مطابقة لطريقة تفسير المتكلّمين؛ إلَّا أنّ المنحى العام والفكرة النّهائيّة ستكون كذلك. لماذا؟ لأنّنا نعتقدُ أنّ الحقيقة متمركزة في مناطق التّقاطع المُضمرة بين العلوم والأفكار اللامتماثلة.

الآن، فلنطرح السّؤال الافتراضي الآتي: ماذا لو أنّ علماء الفيزياء توصّلوا إلى أفكارٍ جديدةٍ حول الزّمان تختلفُ عمّا هو معروف الآن، وعمّا اقترحه المتكلّمون أيضًا. كيفَ يقرأُ التّضامر مثل هذا الاحتمال ضمن العلاقة المُقامة بينَ العلمين؟

الإجابة: إنّ العلاقة كما ذكرنا عكوسة، فإنّ كان معلومًا ما في الكلام القديم يضمر الدّلالة على كشف نظيره المجهول الفيزياء الحديثة، فإنّ العكس صحيح، بمعنى أنّ الفيزياء الحديثة إن توصّلت إلى تفسير جديد فهذا يكون بمنزلة المعلوم الّذي يُضمر الدّلالة على كشف نظيره في الكلام. هُنا لدينَا احتمالان: إمّا أن يكون تفسير الفيزياء مختلف عن تفسير الكلام ولكنّه غير مخالف له، وإمّا أن يكون مخالف ومختلف أي نقيض له. فإن كانَ الاحتمال الأوّل فمعنى ذلك أنّ الفيزياء توصّلت إلى شيءٍ لم يتوصّل له المتكلّمون وإنْ كان ذلك لا يُنقض رأيهم، بل يجعل الأمر وكأنّ لدينا نظرتين لتفسير الأمر ذاته، هذا لا أشكال علمي عليه. أمّا إذا كان الاحتمال الثّاني، فهنا يتوجّب الاعتراف بالقصور والنّهوض بالمهمّة الّتي اقترحها الطَّائي وهي إنتاج (علم الكلام الجديد). يكون فيه إعمال العقل في الفِهم والتّأويل للنّص الدِّيني مُرتكزًا لا على التّراث بل على الواقع المعاصر، لفعل ذلكَ فإنّ فلسفة مثل فلسفة التّضامر بما تتضمّنه من مفاهيم وقوانين ستكون فيما نظنّ خير سَند ومعين.

إذْ وفق هذه الطّريقة في التّفكير هناك تدافُع في المعلومات لتَطوير العلوم وتَرقيتها، فمن جهة يُمكن ترقية الفيزياء نسبة لمعطيات الكلام وتوقّعاته ومن الجهة المُقابلة يُمكن ترقية الكَلام وفقًا لمعطيات الفيزياء واكتشافَاتها. مَا يُحدِّد هذا التّدافع ويحرّك عجلته قدمًا هو المناهج العلميَّة الحديثة بما تتضمنّه من صيغ ريَاضيّة، وبما فيها من أعمال للتّجارب والاختبارات. 

قضيّة مِقدار الجوهر الفرد:

واحدةٌ من القضَايا الّتي اختلفَ فيها المتكلّمون قضيّة: هل الجوهر الفرد لهُ قَدر (مِقدار) أم لا؟ إذْ ذهبَ المُعتزلة إلى أنّ ليسَ لهُ قدر لأنّه ليس لهُ حجم؛ على حين ذهبَ الأشاعرة إلى أنّ للجوهرِ الفردِ قدر لكنْ ليسَ لذلك القدر بعض، أي: أنّه مقدار أوّلي يسير؛ لذا لا يتجزّأ، ولمّا كان للجوهرِ قدر فله حجم غَير متبعض. هذهِ كانت قضيّة غير محسومة بينَ الفريقين، نبّه لها الطَّائي مُضيفًا بأنّهُ سواء أكانَ للجوهرِ الفرد قدر أم لم يكن، فهو مُتحيّز عندهم جميعًا، ومعنى مُتحيز هو أنّ لهُ وجودًا حقيقيًّا ويتألف جسمًا بانضمام جوهر آخر إليهِ.

الآن فحسب قانون التّضامر الثّاني، يفترضُ بنَا أنْ نسألَ الفيزياء الحديثة، هل توصّلت إلى شيءٍ ثابتٍ وقطعيٍّ بهذا الصّدد؟ هل أثبتت أنَّ المكوّنات الأوّليّة للمادةِ لها أقدارٌ أم ليسَ لها مقادير قطعيّة الثّبوت؟ فإنّ كان لدى الفيزياء إجابة محدّدة ثابتة، فهذا يُضمر الدّلالة على أيّ الرّأيين من أراء المُتكلّمين كان أقرب إلى الواقع الموضوعي من الآخر، فيُستفاد من الفيزياء في اختيارِ المفهوم الأصح لعلمِ الكلام الجديد. إن لم تَحسم الفيزياء أمرها بهذا الشّأن؛ فالقراءة التّضامريّة تكون بالوجهِ القائل: إنّ اختلافَ المتكلّمين يُضمر الدّلالة على أنّ البنية الفيزيائيَّة للطّبيعة تحتمل الأمرين معًا في الوقتِ نفسه؛ لذا فكلا الرّأيين صحيح، والأصح منهما القول: إنّ الجوهر الفرد له قدر وليس له قدر في الوقتِ نفسه. ليس في ذلك إثبات للتّناقض إذا ما أخذنا مبدأ الخلق المُتجدّد الّذي يقول به المتكلّمون أو مبدأ اللايقين الفيزيائي في الاعتبار.

قضيّة وجود الخلاء:

اختلفَ المتكلّمون في قضيّة وجود الخلاء من عدمِ وجوده، والمقصُود بالخلاء لدى المتكلّمين هو الغيابُ التّام لأيِّ وجودٍ ماديٍّ كالهواءِ مثلًا، فالخلاء عندَهم هو الفراغُ vacuum. أمّا في الجانب الفيزيائي تَقرّر وجود الخلاء بوجهٍ أساسي، وهو علميًّا إنْ لم يكن موجودًا وجودًا أنطولوجيًّا، أي: غير قابلٍ للقياسِ؛ فهذا لا يمنع أنْ يكونَ موجودًا وجودًا أبستمولوجيا.

إنّ ترجيحَ الفيزياء لوجود الخلاء يُضمر الدّلالة على ضرورة ترجيح رأي القائلين بالخلاء من المتكلّمين، ذلك في مضان علم الكلام الجديد. مرّة أُخرى، يجدرُ التأكيد على أنّ ذلك يصحّ إن كانت مسألة ثبوت وجود الخلاء فيزيائيًّا قطعيّة الثّبوت لا شيّة فيها. أمّا إن كانت احتماليّة أو ظنّية أو مختلف عليها فإنّ انعكاس ذلك على قراءةِ علاقة التّضامر تكون مختلفة بحسبِ المعطياتِ المُتاحة.

نودُّ أن نضيفَ هنا أنّنا بقراءةِ علاقةِ التّضامر نَلمحُ إمكانيّة أنْ يكون هناك أمرٌ ثالثٌ بين الخلاء الأنطولوجي والخلاء الأبستمولوجي، وهو خلاء ذو طبيعَة احتماليّة جوازيّة جامعة للأنطولوجيا والأبستمولوجيا، بمعنى: أنّه شبه موجود وشبه لا موجود، واختصارًا (موجود لا موجود). هذا الخلاء -ولأنّه يَضمرُ الحالتينِ في ذاتهِ- هو السّبب في التّرّدد بين الإثباتِ والنّفي لوجوده؛ ذلك أنّ المُضمر يقابل العقول بحسبِ قابليّاتها فيتلوّن كالماءِ بلونِ الإنَاء([71]).

قضيّة شيئيّة المعدوم:

قالتِ الأشاعرةُ بأنّ المعدومَ هو اللّاشيء، بينما قال المعتزِلة بأنّ المعدوم شيء. لقد رأينَا الفيزياء قد رجحت كفّة شيئيّة المعدوم بالمعنى الّذي يكون فيه المعدوم موجودًا افتراضيًّا أبستمولوجيا لا أنطولوجيًا. إذن، فمعلوم الفيزياء يكشفُ عن مجهولِ الكلامِ في هذهِ المسألة وِفق قانون التّضامر الثّاني.

إن كانَ ذلك كذلك، فإنّ من المفترضِ أنّ معلوم الكلام وتحديدًا المعتزلة في طبيعةِ شيئيّةِ المعدوم يضمر الدّلالة على ما يُفترضُ أن تكونَ طبيعة ذلك الشّيء المعدوم في الفيزياء، فعندما يقول المعتزلة إنّ الشّيء في حاِل عدمه يكون متّصلًا لا نهائيًّا وليسَ بمعدودٍ مثلًا، فهذه الموصّفات يُفترضُ أن تضمرَ الدّلالة على أنّ بحر ديراك للطّاقة هو مجال لا نهائي مُتّصل غير معدود، فإنّ كانَ كذلك فيزيائيًّا، فهو تطابقٌ مفروغٌ منهُ نبّه إليهِ التّضامر، وإن لم يكن ذلك محسومًا في الفيزياء، فالمقترح أو البحث في هذهِ الموضوعة بجديّة لأنّها استنادًا إلى قانون التّضامر ستكون كذلك.

 قضيّة ثقل الجواهر الفردة:

قال بعض المتكلمين: إنّ الجوهر لا حظّ له من الثّقل. وقال آخرون: إنّ للجوهر حظا من ثقل([72]) ولمعرفة أيّ الرّأيين هو الصّحيح علينا أن نرى ما تقول الفيزياء النَّظريَّة بشأن الجسيمات الافتراضيّة هل لها وزن ذرّي أم لا؟ إن كان لبعضها وزن وليس لبعضها الآخر فهذا يضمر الدّلالة على أنّ كلا رأيي المتكلّمين صحيح، وهو ما ينبغي أن يُؤخذ به ويفصل في علم الكلام الجديد، وإن كانت الفيزياء تنفي الوزن أو تثبته عن جميع الجسيمات بالجملة، فما تذهب إليهِ هو بالمثل يضمر الدّلالة على ما يفترض أن يثبت كلاميًّا.

ولكن ماذا إنْ كانت الفيزياء لم تحسم أمرها بهذا الشّأن؟ عندئذٍ على الأرجح وحسب التّضامر أنّ الجسيمات الافتراضّية تحتمل الأمرين معًا في الوقتِ نفسه، أي: بالصّيغة (ثقل لا ثقل)، وهي لا تكتسبُ ثقلها الواقعي إلَّا بعد أن تنتقل من المستوى الافتراضي إلى المستوى الأنطولوجي.

من جانب آخر: اختلف القائلون بأنّ للجوهر الفرد ثقل حولها، ما بين من يقول إنّ الثّقل هو خاصيّة للجوهر نفسه أي صفة له (لأنّ الصّفات عين الذّات عندهم)، وبين من يرى أنّها معنى زائد طارئ عليه، أي: عرضًا فيه.  

في سياق مقاربة علاقة التّضامر بين الكلام والفيزياء، وحسب القانون الثّاني، يُفترضُ أنّ معلوم أحدهما يكشفُ مجهول الآخر، على هذا فإن عُدّ أنّ ثقل الأشياء سببه الجاذبيّة، فهذا يعني أنّ سبب الثّقل من خارجي، وعلى هذا فهو زائدٌ عليه أو عارضٌ فيه، ذلك واضحٌ إذْ ثقل أي جسم يختلفُ بحسبِ قوّة الجاذبيّة، ولو كان ثقل الجسم ثابتًا في جميع الأحوال لاختلفَ الأمر ولكان الثّقل صفة ذاتيّة للشّيء في نفسه؛ ولكن إنْ عُدَّ أنّ الوزن الذّري هو سبب الثّقل فإنّ الفكرة تختلفُ ويُصبح الثّقل خاصّية للشّيء وليس عارضًا. إذن، يُمكن القول إنّ وجهتي النّظر الّتي قالَ بها المتكلّمون صحيحة نسبيًّا. هذه المسألة ومع مزيد التّحقيق العلمي يُمكن الاستفادة منها في تثبيت الأدقّ في علمِ الكلامِ الجديد.

قضيّة التّداخل والتّجاور:

الجواهرُ عند المتكلّمين لا تتداخل بل تتجاور فحسب. هذا يُضمر الدّلالة على أنّ المكوّنات الأساسيّة للمادةِ الطّبيعية يُفترض أن تكون متجاورة غير متداخلة؛ ولكن ماذا إن تبيّن فيزيائيًّا إمكانيّة أن تتداخّل تلك الجسيمات؟ هُنا يتوجّب القول إنّ ذلك يُضمر الدّلالة على ضرورة افتراض تداخل الجَواهر في علمِ الكَلام الجديد. هذه الموضوعة إن صِيغت بهذا الشّكل، يلزمُ وفقًا لها معرفة تأثيرها في النَّظريَّة الكلاميّة وما سيترتّب عليها من مُعطياتٍ جديدة.

قضيّة تجدّد الجواهر:

هل تتجدّدُ الجواهر مثل الأعراض؟ قيل في الكلام: تتجدّد حالًا فحال. وقيل: باقية على حَالها لا تتجدّد. هُنا من خلال معرفة فيما إذا كانت الجُسيمات الأوّليّة في الفيزياء مُتجدّدة أم غير مُتجدّدة، يُمكن أن نعرفَ أيّ الإجابتين أصح، أو قد تكون كلتاهما صحيحة إن تبيّن فيزيائيًّا أن بعضها يتجدّد وبعضها الآخر لا يفعل. في جميع الأحوال معلوم الفيزياء يكشفُ مجهول الكَلام بدلالة قضيّة تجدّد الجواهر.

قضيّة الجزء الّذي لا يتجزّأ:

تردّد المتكلّمون بين فكرة الجزء الّذي لا يتجزّأ وبين فكرة التّجزؤ إلى ما لا نهاية، وهذا التّردّد يُضمر الدّلالة على أنّ الحسمَ بيدِ الفيزياء، فإن كانت قاطعة بأحَدهما فذلك القطع يَحسم الاختيار بينهما، وإن كانت لم تقطع بعد، فيحتمل أنْ يكونَ الأمر على هذَا الشّاكلة في حقيقتهِ، أي أنّ بعضَ الأجزاء لا تتجزّأ وبعضها يتجزأ. هناكَ الاحتمالُ الّذي يُمكن أن يكونَ فيه الجزء جامع للوجهيِن في الوقِت نفسه، فهو (يتجزّأ لا يتجزّأ) وقد يُفسُّر ذلك بأنّهُ يتجزّأ في الوهمِ إلى ما لا نهاية ويَنتهي في الحسِّ إلى جزءٍ لا يتجزّأ.

رجّح الطَّائي كفّة الجزء الّذي لا يتجزّأ عند المعتزلة لكونهِ رأى أنّها تَتطابق أكثر من الواقع الفيزيائي، بينما نَميلُ نحن إلى إبقاءِ الخيارين مفتوحين لأنّ العلم لم يحسم أمرَه فيهما بعد.

قضيّة تجدّد العالم:

إنّ القولَ بتجدّد الأعراض هو في معنَاه الواقعي قول بتجدّدِ أجزاء العالم كلّه في كلّ آن، فكأنّ التّجزئة صارت ضرورة بإدامَة العالم بواسطةِ تجدّد أجزائه؛ إذْ ربّما يصعب تفسير بقاء العالم لو أنّه انتفى كلّه جملة ليتجدّد مرّة ثانية وثالثة ورابعة… وهكذا. لكنْ أنْ يكون هذا العالم مؤلّفًا من أجزاء كثيرةٍ جدًّا وأنْ يحصلَ التّجدّد الآني في كلّ جزءٍ منها مُنفردًا فهو الأيسر للمَنطق، ورّبما الأقوَم للفِهم برأي المتكلّمين. هذا مَا انتَهى إليهِ الطَّائي في تلخيصهِ لهذا الجانب الأساسي من نظريّة المعرفةِ عند المتكلّمين، ولا أعلمُ لِمَ لمْ يُشر الطَّائي إلى نَظريّة الأوتار الفَائقة String Theory، الّتي تقول معطياتها من جملَة ما تقول: إنّ البنية الأساسيّة للمادة مؤلّفة من أوتارٍ مُتناهية الصّغر، لا تبقى زمانين من سرعة الخلق والفناء، وهو مُشَابه –بالتّأكيد- لفكرةِ تجدّد الأعراض. لربمّا تجنبّها لكونها لا تزال في طورِ المُعادلات الرّياضيّة ولمْ تُؤكّد الاختبارات بعد اثبَاتها أو نفيها.

في مثلِ هذه الحالات يكون لتوقّعات علاقة التّضامر حيّزها المناسب؛ إذ لمّا كان الكلام يُثبتُ تجدّد الأعراض، فهذا يُضمر الدّلالة على أنّ فكرة الأوتار الفائقة صحيحة، وأنّه سيتحقّق منها مستقبلًا. حتّى ولو استعاضَ العلماء بنظريّةٍ أُخرى غير نظريّة الأوتار الحالية لمُشكلاتٍ تعترضُ القياس والاختبار، إلَّا أنّ أهمّ مضمون في النَّظريَّة الّتي نتحدّثُ عنها بأنّها ستقول بشيءٍ يُناظر تجدّد الأعراض؛ ولكن ماذا إنْ اكتشفَ العلم نقيض ذلك وأنّ الأعراض لا تتجدّد؟ بسهولةٍ يجبُ تعديل مفهوم تجدّد الأعراض في علم الكَلام الجديد؛ إذْ هناكَ بالفعلِ آراء كلاميّة لا تقول بذلك، ويُصبح الكَلام الجديد مُقابلًا تقابل تكامل مع العلم الطّبيعي. هذا هو معنى العكُوسة في علاقةِ التّضامر([73]).

قضيّة الانفصال والاتّصال:

منَ القضايا الّتي لا تزال عالقة في عالم الفيزياء هي قضيّة الانفصال والاتّصال، أي هل البنية التّكوينيّة للوجودِ الماديِّ متصلٌّ مع بعضهِ بعضًا كقطعةٍ واحدةٍ، أم أنّه مكوّن من بنيةٍ تجزيئيّة؟

بحسبِ السّياق الّذي سارَ عليه العلمُ الحديث، يكون قد رجح كفّة الاتصال وجعل الانفصال حالة عرضيّة، ذلك حينَ أخذَ بنظريّة المجال الكمومي، إذ المجال مُتّصل والكموميّة عارضَة فيه. لكنْ ما نتيجة هذا التّرجيح؟ لأنّ هذه النَّظريَّة احتفظت بالبنيةِ الرّياضيّة الواسعة لحسابِ التّفاضل فإنّها واجهت مشكلة الّلانهايات العويصَة، وهذا أمرٌ غير مقبول علميًّا لأنّه «ينمّ عن خللٍ مُزمنٍ في نظريّة المجَال الكُمومي» ([74]). الأمر الّذي اضطّر الفيزيائيين إلى تلمّس حلول ظرفيّة للتّخلص من الّلانهايات إذ لا يوجد حلّ جذري.

وَفق قانون التّضامر الثّاني فإنّ ما يُفترض هو معلوم أحد العلمين يكشفُ مجهول الآخر بدلالةٍ مُحدّدة. فإذا كان لدينا مجهول هنَا في الفيزياء وهي قضيّة الّلانهايات، فهل كان للمتكلّمين رأي فيها، وهل اعطوا حلًّا لها في سياقِ فلسفتهم؟ إنْ وُجدَ ذلك الحلّ فسيكون تضامريًّا هو الحلّ للمشكلةِ الفيزيائيَّة، فهل وُجد؟

يَرى الطَّائي أنّ مشكلة الّلانهايات من وجهة نظر المتكلّمين كان لا بدّ من أن تظهر إذا ما افترض أنّ الاتّصال، على قولهم: «كيفَ يحتوي ما يتنَاهى على ما لا يتناهى؟» ([75])، فنحنُ إذ نفترضُ أنّ ما يتنَاهى من المسَافات مؤلّف من عددٍ لا نهائيٍّ من الأجزاءِ فإنّ هذا الّلاتناهي حين يجمع سيظهر عاجلًا أم آجلًا بهيئةٍ لا نهائيّة. هذا ما يحصلُ ضمنيًّا في نظريّة المجال الكُمومي بالفعل، فلو نظرنا –كما يقولُ الطَّائي-إلى تفصيلات الصّورة لرأينَا أنّ فرضيّة الاتّصال المؤسّسة للنّظريّة هي الّتي تُؤدّي إلى ظهور الّلانهايات ([76]).

لمّا كانت رؤية المتكلّمين تفترضُ التّجزئة المحدودة فإنّ هذا يُضمر الدّلالة على ضرورة أنْ تُصحّح نظريّة التّكميم الفيزيائيَّة بالتّخلص من الرّؤية الاتّصاليّة للمجال وأنْ تَستبدلها برؤيةٍ ذرّيةٍ قائمةٍ على محدودية العدد الكلّي للأجزاء، فهذا من شأنهِ أن يخلّص النَّظريَّة من مشكلة الّلانهايات.

من جهةٍ ثانيةٍ تحتملُ علاقة التّضامر طرح الاحتمال القائل بـ (اتّصال لا اتّصال) وهو يفترضُ الاتصال المحدود أو المتناهي وليس الّلامتناهي، وفي المقابل (انفصال لا انفصال) أي أنّ التّجزئة ليست مُطلقة بل هي تحتملُ التّشابك أو التّداخل الاتّصالي، ويُمكن التّعبير عن ذلك بالقول: شبه اتّصالي إذا تحدّثنا عن المجال، أو شبه انفصالي إذا تحدّثنا عن الكموم، وبالنّتيجة حالة ثالثة جامعة في ذاتها نسبة من الاتّصال ونسبة من الانفصال، بحيث تتجاوَز الّلانهايات ولا تترك الاتّصال كليًّا. هو افترضٌ فلسفيٍّ مُجرّد يُفرزه التّفكير بطريقةِ التّضامر، لربّما يكون له شأن في حاضرِ أو مستقبلِ الفيزياءِ إنْ بيّنت الحسابات النَّظريَّة أو الاختبارات العلميَّة مصدَاقيته.

ما نودّ شدّ النّظر إليهِ هنا هو أنّ التّفكير بطريقةِ التّضامر يُؤدّي بالمفكّر -وبخاصّة إذا كانَ مختصًّا- إلى توقّع احتمالات قد لا تكون محتملة في مسار التّفكير التّقليدي، ولربمّا يتحصّل على عددٍ لا بأسَ به من الأفكار غير المتوقّعة المنتجة لأجوبةٍ لا تزال معلّقة علميًّا وفلسفيًّا.

قضيّة الجوازيّة والّلايقين:

 لماذا تكون قياسات المتغيّرات الفيزيائيَّة احتماليّة جوازيّة خاضعة لمبدأ اللايقين وليست حتميّة؟ وما التّفسير لما يظهر لنَا أنّه علاقة سببيّة حتميّة في الحوادث، مع أنّ الفيزياء كشفت عن الّلاحتميّة السّببيّة في الظّواهر الطّبيعيّة؟ في الفيزياءِ وُضعت عدّة مقترحاتٍ للإجابة عن هذه المعضلة عُدَّت تفسيرات مُختلفة لميكانيكا الكم، أهمّها أربعة:

الأوّل: إنّ ميكانيكا الكم هو بالأساس يخصّ التّعبير عن مجموعةِ الجُسيمات ولا تصلح للتّعبير عن جسيمٍ واحد، ومن القائلين بهذا التّفسير (ماكس بور) وألبرت أينشتاين.

الثّاني: جاء به ديفيد بوم ([77]) وهو يقول بوجود متغيّرات خفيّة لم نعلم عنها هي الّتي تقف وراء ظاهرة الاحتمال والّلاحتم، وهذا معناه أنّ نظريّة الكمّ غير كاملة.

الثّالث: قال به أيفريت ([78])، ويفترض أنّ القيمة المقاسَة عند لحظةٍ ما هي قيمة واحدة من عددٍ لا نهائي من القيَم الممكنة لذلك المتغيّر الّذي تحتَ القيَاس، كلّ تلك القيَم الممكنة قائمة في عالمٍ من العوالم المختلفة المتَشابهة الّتي تخضعُ للقوانين العامّة نفسها وإنْ اختلفتْ قيَم موجوداتها. هذه هي نظريّة العوالم المتعدّدة.

الرّابع: تفسيرُ كوبنهاغن الّذي جاءَ به نيلز بور ([79]) وأطّره رياضيًّا (فون نيومان) ([80])، يقول إنّ حقيقة القياس الكمّي هي ما يحصلُ في لحظةِ القياس نفسها، وفيها يقعُ المشاهد على المشهُودِ ويقع المشهودِ على القيمة، فيكون الأمر مفاعلة بينَ الملاحظِ والملحُوظ.

لقد ناقشَ الفيزيائيّون جميعَ هذه الاحتمالاتِ فتبيّن لهم أنّ في كلّ منها مواطن وهَنٍ تجعلُ من المستبعد علميًّا التّسليم بأحدها على وجهِ اليقين. مع التّشكيك في كلّ منها؛ إلَّا أنّ هذه الاحتمالات لا تزال قائمة في الأوساطِ العلميَّة ولعلّ أكثرها تداولًا وقبولًا هو الاحتمال الرّابع.

نحنُ -وبناءً على قانون التّضامر الثّاني- لا يسعُنا إلَّا أنْ نأخذَ هذه الاحتمالاتِ مجتمعة في سلّةٍ واحدةٍ دونَ ترجيح لأحدِها على الآخر؛ لعدمِ بتّ الفيزياء بذلك التّرجيح، ثُمَّ سنُحاول أن نَرى ما الّذي يُمكن أن تضمرَه بالنّسبة لعلم الكلام.

لو افترضنا أنّ الاحتمالَ الأوّل صحيحًا، فما الّذي يعنيه ذلك بالنّسبة لتفسير تجدّد الأعراض عند المتكلّمين؟ الإجابة ستكون أنّ ذلك يُضمر الدّلالة على أنّ الخلق المتجدّد يُنفّذ جملة الأعراض مجتمعة لا بإفرادِها مُنفردة. إن صحّ ذلك ستكون هذه المعلومة إضافة فيزيائيّة لعلمِ الكلام؛ وذلك أن الفيزياء ستكون قد كشفت للمتكلّمين عن خاصّية لم يسبق لهم أنْ فكّرُوا فيها.

غير أنّ الطّائي وبعد أن اطّلع على مسوّدة هذا الدّراسة أفاد قائلًا: إنّ التّجارب الّتي أُجريت في أثناء السّنتين الماضيتين أثبتت انطباق ميكانيك الكموم على الجسيم لوحده وعلى مجموع الجسيمات في آن واحد بخلاف ما سبق أنّ ذهب إليه أينشتاين. وعقّب قارئًا لذلك بمنطق فلسفي فقال إنّ ذلك يضمر الدّلالة على أنّ الخلق المتجدّد يُنفّذ جملة الأعراض مجتمعة وبإفرادِها مُنفردة في آن. من جهتنا نؤكد هذه القراءة لتطابقها مع قوانين التّضامر.

لو افترضنَا أنّ المتغيّرات الخفيّة هو الصّحيح؛ فإنّ ذلك يُضمر الدّلالة على وجود متغيّرات خفيّة تؤثّر في تجدّد الأعراض، هذه النّقطة مجهولة فيزيائيًّا معلومة كلاميًّا؛ إذ في الكلام المتغيّر الخفي معلوم وهو الإرادة الإلهيّة، وفي الفيزياء ذلك المتغيّر لا يزال مجهولًا. حسب القانون الثّاني للتّضامر فإنّ المتغيّر الخفي في الفيزياء يفترضُ أن تكون تلك القوّة الافتراضيّة أو الأبستمولوجية المفسّرة لنفسها بنفسها. هذا يعني أنّ الكلام هُنا يفسّر الفيزياء، ما لم تصل الفيزياء إلى المضامين الأكيدة لتلك المتغيّرات، ووقتئذٍ سيجبُ على الكلام أن يبحثَ في نظائرها الكلاميّة.

لو افترضنَا أنّ احتمال متعدّد الأكوانِ هو الصّحيح، فإنّ ذلك لا يتعارَض مع مبدَأ القُدرة الإلهيّة عند المتكلّمين، بل هو مدعاة لكي يوسّع المتكلّمين فهمهم للأعراض بحيث تُصبح منطويّة على تكاثراتٍ لا نهائيّةٍ في مستوياتٍ وجوديّةٍ مُمكنة أُخرى (واقعيّة أو افتراضيّة). عليهم –أيضًا- أنْ ينظروا في قابليّة الجواهر لمواجهة هكذا تكاثراتٍ في الأعراض. كلّ هذا يدلّ فيما يدلّ عليه أنّ تأكيد هذا الاحتمال فيزيائيًّا لا يعارض الكلام من جهة، ويوسّع أفقَه ويفتح المجال لمباحث أكثر عمقًا وشمولًا.  

أمّا لو صحّ احتمال تفسير كوبنهاغن، فإنّ ذلك يناظر تضامريًّا ما يقول به المتكلّمون من أنّ لا شيء يبقى على حاله زمانين أو آنين، فهذا المفهوم يُفضي إلى لا تبادليّة الموقع مع إجراء الزّخم الخطي بالضّرورة، وبصورةٍ عامّة يُفضي إلى لا تبادليّة المتغيّر ومولده وهذا هو بالضّبط الأساس الرّياضي لمبدأ اللايقين لهايزنبرغ.

 على هذا ومع ما ذكره الطَّائي من إفضاءهِ إلى أمورٍ شنيعةٍ تُلخصّها مقولة جون ويلر([81]) عندما تكلّم عن دورنا نحن المشاهدين في خلق العالم في الوقتِ الّذي نعلمُ فيه أنّ العالم خُلِقَ قبلنا بكثير([82]). فإنّ التّفسير الكلامي لميكانيكا الكم من شأنِه أنْ يُؤدّي إلى فهمٍ أعمق لظواهر كموميّة عديدة ذكرها الطَّائي كظاهرة التّرابط الكمومي فضلًا عن تعميقه لمفهوم التّشاكه الكمومي([83]). بل إنّ هذا التّفسير يَفضي إلى توقّع وجودِ حالاتٍ كموميّة ماكروسكوبيّة تتواجد في الفضَاءاتِ الّتي تقعُ تحتَ مجالاتٍ جذبيّةٍ شديدةٍ جدًّا مثل مجالاتِ الثّقوب السّود. من جانبٍ آخر فقد وجد الطَّائي أنّ التّفسير الكلامي القائم على تجدّد الخلق يضعُ شروطًا واضحةً لما يُسمَّى تأثير زينو الكمومي ([84]).

قضيّة القانون الطّبيعي:

* كيفَ يشتغلُ القانون الطّبيعي في العالم؟ وكيفَ تتحقّق الظّاهرة الطّبيعيّة؟

التّفسير العلمي للقانون الطبيعي هو أنّ القانون الطّبيعي عبارة عن ظاهرة قد عرفنا أسبابها واشتراطاتها بالملاحظة وتحقّقنا منها بالتّجريب مرارًا وتكرارًا حتّى وجدنا أنّ لا سبيلَ إلى القول بإمكان حدوثِ خلافِ ما هو مُلاحظ أو مجرّب.

مثلًا: يحصل احتراق القطن عند تقريب النّار منه ووصول دَرجة الحرارة إلى درجَةِ الاتَقاد. لماذا يحصلُ الاحتراق؟ التّفسير الفيزيائي هو أنّ النّار تنقلُ كميّة من حرارَتها إلى مادّة القُطن بالتّدريج فتعمل على تسخينهِ حتّى يبلغَ درجة الاتّقاد فيشبّ اللّهب فيه، هذا اللّهب يعملُ على تسخين أجزاء القُطن الأُخرى لتتكرّر عمليّة الاحتراق وَفقَ ذات الخطوات الإجرائيّة، هكذا يستمرّ القطن بالاحتراقِ ذاتيًّا بعدئذٍ دون حاجَة إلى نارٍ من خارجه.

هكذا يُمكن مُلاحظة أنّ الظّواهر الطّبيعيّة، تُكرّر العمليّة مرارًا وتكرارًا كلّما وُجِدَت الشّروط ذاتها، الأمرُ الّذي يجعلنا نراها ثابتة لا تتغيّر ما لم يكُن هنالك مانع آخر يمنعُ وقوعها بقانونٍ طبيعيٍّ آخر، فلو كان مثلًا جزء من القطنِ مُبلّلًا لدرجةٍ لا يكفي معه الّلهب في إيصالِ الأجزاء المبلّلة إلى درجةِ الاتّقاد فإنّ الاحتراق يتوقّف عند هذا الحد، وعلى هذه الشّاكلة تتفاعل قوانين الطّبيعة مع بعضها.

الآن، لنطرح السّؤال الآتي: هل فسَّرَ العلمُ الظاهرة؟ أم وصفها ثمّ أجمل الوصف بصيغةٍ محدّدة أطلق عليها اسم قانون طبيعي؟

إذا كنّا نُريد تفسيرًا فإنّنا نُريد أن نعرفَ لماذا تنتقل الحرارة تلقائيًّا من الجسم السّاخن إلى البارد لتسخّنه؟ يقولُ بعض العلماء: إنّ الطّبيعة تميلُ إلى الاستقرار، لكن لماذا تميلُ الطّبيعة إلى الاستقرار؟ لا إجابة مقنعة علميًّا بهذا الصّدد. كما يَرى الطَّائي فإنّ «ما نقوم به نحنُ في الفيزياء يشملُ على وصف حقائق العالم كما نرَاها، وكلّ ما نبدعهُ هو حالةٌ تقريبيّة» ([85]).

عندَ التّعمق في البحثِ عن التّفسير الفيزيائي الرّاسخ للظّاهرة، نضطرُّ إلى الدّخول إلى المستوى الذّرّي وهناك تظهر الخصائص الكموميّة بفاعليّتها التّقريبيّة أو الاحتماليّة. هذا الفهمُ العلمي حين نعكسهُ على ظاهر ما نُسمّيه قانونًا طبيعيًّا نُصبح ملزَمين علميًّا أن نقول: إنّ الظّاهرة الطّبيعيّة لو تكرّرت بوجهٍ مُطّرد مليارات المليارات من المرّات، فإنّ القانون الّذي نضعهُ ليصفها احتمالي أو تقريبي، إذْ ليسَ القانون تَفسير مطابق للواقع الموضوعي، وإذا كان ما يُسمَّى القانون الطّبيعي مطابقًا لشيءٍ في الطّبيعة فهو مُطابق لما يظهر من الظّاهرة في المستوى ما فوق الذّري ممّا يُمكن أن تُدركهُ الحواس ويخضع للملاحظة والقياس.

في المقابل يُقدّم الكلام تفسيرًا يعتمدُ على مبدأ تجدّد الخلق، يُفسّر بحسب ما يرى الطَّائي الصّورة الإجرائيّة الّتي يقدّمها ميكانيكا الكموم بنجاح. عند المتكلّمين أنّ الأعراض لا تثبت على حالٍ زمانين وإنْ بدَت مستقرّةً أو ساكنةً فهي على الحقيقةِ في حالِ التّجدّد الدّائم والتبدّل المستمر، تُخلقُ وتُفنى وتعود تُخلق وُتفنى ثانية… وهكذا، في سرعاتٍ خاطفة. على هذا، فالمنظومة كلّها في وضعيّة أحوال ممكنة عديدة بحسب ما مُتاح من الأقيام الآنية. في نظريّة الكموم نستخرجُ –والحديث للطائي- تلك القيم الآنية بتشغيل الإجراء المناسب على ما يُسمَّى دالة الموجة أو دالة الحالة، وتُعرف باسم القيمَة المخصوصة لذلك الإجراء. لكن ما نقيسه فعلًا هو ليسَ هذه القيم الآنية المخصوصة؛ وإلَّا لوجدنا العالم كلّ آن في شأن، بل ما نجده حقيقة هو معدّل القيم وهذا ما يُسمَّى في نظريّة الكموم القيمة المتوقّعة، وهي معدّل أو متوسّط القيم الممكنة الّتي يُمكن أن يأخذَها ذلك العرض المقاس. مثال هذا التّقريب هو النّظر إلى ريش مروحة تدورُ سريعًا، اللّون المتحصّل من ذلك الدّوران هو في الحقيقة معدّل سطوع اللّون وليس مقدار السّطوع الآني لأيّ من الرّيش، وكلّما كانت سرعة المروحة أكبر ظهر الّلون أكثر تجانسًا؛ ولكنّه يبقى في جميع الحالاتِ تقريب. بالمثلِ كلّما كانت سرعة تجدّد الأعراض أكبر كانت القيمة الآنيَة الممكنة أقرب إلى القيمة المتوقّعة (المعدل)، أي أنّ نطاق اختلاف القيَم الآنية يضيق. هذا هو السّبب بعينهِ الّذي تختفي وراءهُ حقيقة أنّ القيَم الآنية في العالم المجهري تتفاوتُ على نطاقٍ واسعٍ في حين أنّ القيَم الآنية في العالم الجهري تتفاوتُ في نطاقٍ ضيّقٍ جدًّا، بل تكاد القيَم الآنية أن تكونَ القيمة المتوقّعة نفسها لا تحيد عنها.

نصلُ من هذه المقارنة إلى أنّ هناك تناظرًا بين فكرةِ تجدّد خلق الأعراض وبين فكرة اللّايقين الكمومي. الفرق الأساسي بينهما هو في التّفسير، إذ تجدّد الأعراض يُفسّر كلاميًّا بأنّه راجع إلى وجود خالق دائم الاتّصال بالمخلوق لحظيًّا وآنيًا، على حين لا يزال مجهولًا فيزيائيًّا لم يتصرّف العالم المجهري على هذه الشّاكلة الّتي تختلفُ عن العالم الجهري.

الآن، ووفقًا لقانون التّضامر الثّاني، يجبُ علينا افتراض أنّ معلوم الكلام يكشفُ مجهول الفيزياء بدلالةِ تناظرهما في فكرتي التّجدّد واللايقين. هذا يعني: أنّ التّفسير الفيزيائي للظّاهرة الطّبيعيّة وليس والوصف فحسب سيتطلّب الإقرار بوجودِ قوّةٍ خالقةٍ قاصدة للفعلِ بهذه الكيفيّة الّتي تقودُ إلى ميل الطّبيعة للجمع بين الاستقرار في المستوى الجَهري، والّلااستقرار في المستوى المجهري.

فإنّ قيل: إنّ هذا الافتراض يُخالفُ العقلانيّة العلميَّة الّتي تستبعدُ افتراض أيّ قوى ميتافيزيائيّة في حساباتها العلميَّة، فإنّ أقلّ ما يُمكن توقّعه هو افتراض العلم لتلك القّوة على أنّها قوى طبيعيّة افتراضيّة (أبستمولوجيّة) كالجُسيمات الافتراضيّة أو طاقة الفراغ مثلًا.  ليس الوصف في منظور التّضامر هنا مُهمًّا بقدر ما تَسعى له هذه الفلسفة في الكشف عن إمكانيّة التّكامل المتبادل بين الّلامتماثلات.

لما كنّا نتحدّث عن التّكامل المتبادل، فإنّنا لا نتردّد في القولِ إنّه في حالةِ تمكّنت الفيزياء من إعطاء التّفسير الفيزيائي القَطعي لظاهرة الكموم وسبب لايقينيّتها بدرجةٍ لا تقبل التّشكيك، فيُمكن حينئذٍ في علم الكلام الجديد الاستفادة من المعلومة الفيزيائيَّة لتطوير مفهوم تجدّد الأعراض في علم الكلام ([86]).

قضيّة الحتم السّببي:

من القضايا الّتي لم تَحسم الفيزياء أمرها حسمًا نهائيًّا، قضيّة الحتم السّببي، إذ هل أنّ قوانين الطّبيعة والعلاقات السّببيّة فيما بينها حتميّة أم لا؟

بادئ ذي بدء، يُمكن تعريف الحتم بأنّه: وقوع المُسَبب وجوبًا حال توفّر السّبب، أمّا اللاحتم فهو: وقوع المُسَبَب جوازًا عند وجود السّبب.

لقد كان الأمرُ محسومًا عند الفيزيائيين في القرنِ التّاسع عشر عندما تمكّنوا من وضعِ قوانين الحَركة تلك الّتي صاغها (هاملتن) و(لاغرانج) ([87]) و(لابلاس)؛ الأمرُ الّذي أفرزَ المفهوم الحتمي للطّبيعة وقوانينها. لكن مع مطلع القرن العشرين ومع ميكانيكا الكم انقلبت المفهومات تمامًا؛ إذ ظهرَ مفهوم اللاحتم كنتيجةٍ لاعتمادِ التّصوّر الموجي للجسيماتِ الذّريَّة، فبدلًا من أنْ يُنظر إلى الجسيم الماديّ على أنّه شيءٌ متحيّزٌ وغير قابل للانقسام أصبح لموجب التّصور الجديد موجه ممتدّة تخضع للتبدّل والتّغير المستمر؛ وفقًا لذلك أصبحَ الجزم بوقوعِ الحوادث غير وارد في التّصور الكمومي الجديد. بسببِ هذا الإربَاك الكَبير الّذي تشكّله هذه النَّظريَّة شكّك فيها الفيزيائيون أنفسهم، فأينشتاين أعلنَ رفضه لها مستشهدًا بمقولته «إنّ الله لا يلعب النّرد»، و(نيلز بور) ذهبَ إلى القول: «إنّ دالة الموجة ليست إلَّا تصوير رمزي قد لا يمُت إلى الواقع بصلةٍ حقيقية» ([88])، أمّا (هايزنبرغ) فحاول تفسير اللاحتم بأنّه نوع من تأثير أجهزة القياس.

يبدو أنّه ووفقًا لقانون التّضامر الأوّل فإنّ هناكَ تناظرًا بين العلمين الفيزياء والكلام في هذه القضيّة، إذ المتكلّمون كان قد سبق منهم القول بذلكَ ضمن مبدأهم المسمّى مبدأ التّجويز والاحتمال وخلاصتهُ: إنّ حوادثَ العالم تقعُ على سبيلِ الاحتمالِ والجوازِ لا على سبيلِ الحتم السّببي. رأيهم هذا مبنيٌّ على أساس فهمهم أنّ الأشياءَ لا تفعل بذواتها لطبع كامن فيها؛ إذ الفعل يحتاجُ إلى قدرةٍ وإرادة، والجوامد لا إرادة لها فضلًا عن أنّ قدرتها أعراض متجدّدة محكومة بإرادةِ المجدّد واختياراته، هذا يعني أنّ الاشياءَ حين تتكرّر فبفعل فاعلٍ حقيقيٍّ وهو قوّة أُخرى خارج العالم بالضّرورة ولا تنتَمي إليهِ وإنّما الأشياء وصفاتها الوسائط.

لم يُوافق المتكلّمون على مفهوم الطّبع المتداول الّذي هو صفةٌ قائمةٌ ذاتيًّا، قادرة على الفعل يكون الشّيء مجبولًا عليها، كالقول: إنّ طبع النّار الاحراق. بل إنّ ما يُسمَّى الطبّع أو القانون الطّبيعي عندهم هو ليس إلَّا عرضًا من الأعراضِ يتجدّد دومًا، وهو موجود ليسَ لصفةٍ دائمةٍ يقوم بها بل هو في ذاته لصفة متجدّدة يكون عليها، فالطّبع هو تلك الصّفات الّتي في الأشياء الّتي تُتيح الإمكان فإنّ وُجِدَت الضّرورة ممّثلة بالأسباب الّلازمة وقعَ الحدث (المُسبب)، وإنْ لم يوجد الإمكان لم يقع الحدث.

لعلّ أفضل ما يُمكن أن تُوضّح رأي المتكلّمين في هذه المسألة هو مفهوم الاقتران الّذي أجادَ الغزالي في بيانه حيثُ قال: «الاقتران بين ما يعتقد في العادّة سببًا ومَا يعتقد مسبّبا ليس ضروريًّا عندنا، بل كلّ شيئين ليس هذا ذاك ولا ذاك هذا، ولا إثبات أحدهما مُتضمّن لإثباتِ الآخر، فليسَ من لضرورة وجود أحدهما وجود الآخر، ولا ضرورة عدم أحدهما عدم الآخر؛ مثل الرّي والشّرب، والّشبع والأكل، والاحتراق ولقاء النّار، والنّور وطلوع الشّمس، والموت وحزّ الرّقبة… بل نقول: إنّ فاعل الاحتراق بخلقِ السّواد في القُطن والتّفرّق في أجزائه وجعله رمادًا هو الله تعالى: إمّا بواسطة الملائكة أو بغير واسطة. أمّا النّار وهي جماد، فلا فعل لها» ([89]). الجماداتُ عند الغزالي غير فاعلة بنفسها، وتكرار الظّاهرة غير موجب للقَول بالحتمِ، وذلك لأنّه يرى أنّ «ليس لهم دليل إلَّا مُشاهدة حصول الاحتراق عند ملاقاة النّار، والمشاهدة تدلّ على الحصول عنده، ولا تدلّ على الحصول بهِ وأنّه لا علّة سواه…» يخلصُ إلى القول: نحنُ «نسلّم أنّ النّار خُلقت خلقة إذا لاقاها قطنان أحرقتهما ولم تفرّق بينهما إذا تماثلتا من كلّ وجه، لكنّا مع هذا نجوّز أنْ يُلقى نبيّ في النّار فلا يحترق، إمّا بتغيير صفة النّار أو بتغيير صفة النبّي» ([90]). بهذا فهو يُنفي الحتم السّببي للقانون الطّبيعي، وبدلًا من ذلك يقولون بعلاقة الاقتران الفاعلة على سبيل الجواز.

الآن، لمّا كانت الفيزياء لا تزال متشكّكة في قضيّة اللاحتم، ولمّا كان الكلام يُجزم بمفهوم اللاحتم.  فحسب قانون التّضامر الثّاني فإنّ الفيزياء عاجلًا أم آجلًا ستحسم أمرها باللاحتم المناظر لما في الكلام. ليس ذلك الحسم باللاحتم بمستبعدٍ بخاصّة أنّ هناك من يُلمّح إليهِ بين الفينة والفينة، من ذلك ما جاءَ على لسانِ الفيزيائي الكَبير وفيلسوف العلم (هانز ريشنباخ)، حين قالَ: «ونحنُ لا نستطيع استبعادَ إمكان مجيء يومٍ تصلُ فيه جزيئّات الهواء في غرفتنا، بالمُصادفة المحضة إلى حالةٍ منظّمة تتجمّع فيها جزيئات الأوكسجين في جانبٍ من الغُرفة، وجزيئات النتروجين في الجانب الآخر، إنّ إمكان وقوع مثل هذه الحادثة لا يُمكن أن يستبعد استبعادًا مطلقًا. بالمثل لا يستطيع الفيزيائي استبعاد أن يجيءَ وقت يغلي فيه الماء عندما نضع مكعّبًا ثلجيًّا في كوب من الماء، ويصبح الثّلج من البرودةِ مثل غرفةِ التّجميد، لكن من الجدير بنا، أنْ نعرفَ أنّ هذا الاحتمال أضعف كثيرًا من احتمالِ نشوب حريقٍ في كلّ بيتٍ من بيوتِ مدينة ولأسباب مستقلّة»([91]). هو وأمثاله كـ (رودلف كارناب) ([92]) و(ريتشارد دوكينز)([93]) وغيرهم؛ لا يستبعدون الحوادث النّادرة الحدوث استبعادًا مطلقًا، حتّى إنّ قائلهم قال: «الكون فيما أظنّ شخصيًّا، ليس فحسب أغرب ممّا نفترض، إنّما هو أغرب ممّا يُمكن أن نفترضه»([94])، وهذا اللااستبعاد الّذي يُكافئ الإمكان العقلي هو نتيجة مقبولة عقليًّا وعلميّة لأنّه يخلو من تناقضاتٍ منطقيّة؛ الأمرُ الّذي يَدعمُ في جملته فكرة التّضامر بين الكلام والفيزياء في هذه القضيّة.

قضيّة اللاحتم السّببي:

ما أهميّة اللاحتم لحياتِنا اليَوميّة؟ ومّا أهمّيته لبنية الكون وفي تصرّف الأشياء؟ وكيف سيكون العالم الطّبيعي لو كان حتميًّا؟ يُجيب العلم الحديث على ذلك بأنّ الحتم الطّبيعي يعني الخيار الواحد أو بكلمةٍ أُخرى اللاخيار. لو كانَ نظام العالم محكومًا بالحتمِ لم نتمكّن من رؤيةِ كلّ هذا التّنوع وهذا الطّيف العريض من المخلوقاتِ والأشكال والألوان وهذا التّباين الواسع في مكوّناتِ العالم الحيّة وغير الحيّة. ذلك أنّ اللاحتم المجهري هو الّذي يضعُ أمام الأشياء قدرًا من الحريّة الطّبيعيّة الّتي تجعله قادرًا على تحقيقِ التّنوع؛ ومن ثمّ تحقيق الازدهار وإلّا لكان العالم كلّه لونًا واحدًا، رماديًّا أو أسودًا أو أبيضًا.

التّفاعلات النّوويةّ الّتي أدّت إلى تكوين نوى الذّرات المختلفة بل وتكوين نظائر مختلفة للعنصر الواحد هي ليست إلَّا نتاج اللاحتم الكوانتي، والتّفاعلات الكيماويّة بين الذّرات والجزيئات هي الأخرى محكومة أيضًا بالّلاحتم الكوانتي ما يُؤدّي إلى تخليق جزيئاتٍ متنوّعة. على المستوى الأعقد فإنّ التّكوين الجيني الحي والتّنوع الحيوي هو ليس إلَّا نتاج لهيمنة اللاحتم الكوانتي. في الواقع إنّ الطّفرات الجينيّة الّتي أدّت إلى كلّ هذا التّنوع الحياتي الهائل الّذي نراه على الأرض ممتدًا من الخلايا البدائيّة عديمة النّواة وحتّى مستوى التّعقيد الحيويّ الهائل للكائناتّ الرّاقية ومنها الإنسان إنمّا هو: نتاج اللاحتم الكوانتي على المستوى الجزيئي.

إذن، اللاحتم قانون أساس في بنية العالم ليكون بهذه الصّورة ولو لم يكن لكانَ عالمنا هذا – كما يقول الطَّائي-مختلفًا جدًّا وبالجزم لن تكون فيه حياة متطوّرة أبدًا.   

لسائلٍ أن يسأل: لماذا لا تظهر الصّفات الكوانتيّة الغريبة في عالم الحياة اليوميّة، إذ يبدو كأنّنا قادرون على حساب الحركاتِ بدقّة كبيرةٍ جدًّا إن لم نقل لا مُتناهية، لدرجةٍ يُمكن حساب مواقع الشّمس والقمر والكواكب السّيارة لمئات السّنين القادمة بدقّة تصلُ إلى 1% من الثّانية، فكيف يتوافق هذا مع اللاحتم الكوانتمي وضياع الدّقة؟

الجوابُ: في عوالم الحياة اليوميّة لا يظهر الحتم ليس لأنّه غير موجودٍ بل لأنّ قيمته ضئيلة جدًّا، ومن ضآلتها تُصبح مهملة من النّاحية العمليّة، وفرق بين الضّآلة والعدم.

قضيّة الفعل الّلاتدخلي:

قال النّظام: إنّ الله خلقَ الأشياء دفعةً واحدةً، فجعل بعض الأشياء كامنة في بعضها وما التّحول إلَّا ظهور ما يكمن في الموجود أصلًا، وبهذا فسّر كلّ ما في العالم بأنّه معلول غير مباشر لفعل الله الأصلي، مع إمكان مخالفة ما عرف عن الطّبيعة بالتّدخل الإلهي، ذلك وفقًا لمبدأ التّجويز ولا يرى الحتم المطلق.

في المقابل، اقترح (بولنجهورن) ([95]) نظريّة التّدخل الإلهي بالفعل اللاتدخلي، حيث يفعلُ الله في العالم ما يشاء دون تدخّل مباشر. هذا هو مبدأُ أنّ الأبستمولوجيا هي الّتي تصوغُ الأنطولوجياEpistemology models ontology ، وفيها يرى أنّ نوعًا من المعلوماتِ الفعّالة هو الّذي يحملُ مضمون الأمر الإلهي إلى العالم دونَ أن يحمّل الأمر نفسه أي نوعٍ من الطّاقة الفيزيائيَّة، بل الأمر نفسه أو تلك المعلومات الفعّالة هي الّتي توظّف ما في العالم من طاقةٍ للتّصرّف وَفق السّنة الإلهيّة وتفعل المراد([96])

إنّ هذا التّقابل بين النّظام وبولنجهورن يُمكن أن يُنظر إليهِ وَفق قانون التّضامر الثّاني على أنّ معلوم أحدهما يُمكن أن يكشفَ مجهول الآخر، فتصبح القراءة لدينا تكامليّة، تتحدّث عن فكرةٍ واحدةٍ من مستويين معرفيين لا مُتماثلين.

قضيّة الّلاخلاءوالّلاملاء:

من المعلومِ أنّ قوانين الفيزياء تتوقّف عند تخوم النّقطة المفردة فلا تصلُ إليها، ولا تستطيع أن تعطي تصوّرًا بالمعنى الدّقيق عنها فضلًا عمّا كان قبله، فهذه قضيّة مجهولة علميًّا، فهل تُتاح معلومات لدى المتكلّمين بشأنها؟ وإنْ وُجِدَت، فما الّذي يُحتمل أنْ تكشفه علاقة التّضامر فيما بينها بدلالة هذه المسألة؟

يرى الغزالي «أنّه ليس وراء العالم خلاء ولا ملاء» ([97])، وهو فَهم كما يَرى الطَّائي ليسَ من وثيقة تبيّن أنّ غير المسلمين قد توفّر فكرهم على هذا النّوع منه، وهو فهم يقترب كثيرًا من الفِهم المعاصِر لنظريّة النّسبيّة الّتي وضعها أينشتاين 1905([98]).

إنّ مضمون عبارة الغزالي الّتي قالها ابن حزم أيضًا، هو أنّ وراء العالم لا يُوجد معنى لوجود شيء، هذا يعني أنّ العالم حاوٍ لذاتهِ بذاتهِ وليس من امتدادٍ بعده لأنّه ليس بعده بعد.

لكن بالتّأمل في عبارة (لا خلاء ولا ملاء) نجدُ أنّنا لا نستطيع أن نفترضَ أنّها تدلّ على العدم المحض؛ لأنّ المراد لو كان ذلك لقيل: لا ملاء وحسب، لكن أنْ يكونَ هناك لا ملاء (عدم) مقترن بـ بلا خلاء أي وجود، فهو شيء آخر.

مَا يعضد تصوّرنا أنّ ما وراء العالم ليس العدم المحض، هو قول الغزالي بإمكانيّة أنْ يكون العالم أكبر ممّا عليه أو أصغر ممّا كان عليه، وتأكيدهُ إمكانيّة أن يتّسع أو أن ينكمش. في أيّ من الحالتين سيكون هناك شيء يتّسع فيه العالم أو ينكمشُ ليخلفه وراءه، ومَا ذلك الشّيء؟ هو ما وصفه باللاخلاء ولا ملاء.

إنّنا حينَ نقرأُ هذه الفكرة نفهم منها أنّ اللاخلاء واللاملاء هو الحالة الثّالثة، فإذا كان هناك خلاء وملاء وهما حالتان مُتضادتان، فإنّ ما يُسمَّى لا خلاء ولا ملاء هو حالة ثالثة لا تَعني في فهمنا مجرّد عدم الخلاء أو عدم الملاء، بل هي تتضمّن معنى متوسّط يكون فيه الأمرُ شبهُ خالي وشبهُ ملآن في الوقت نفسه، ونحنُ نعبّر عن ذلك دائمًا بالصّيغ (خلاء لا خلاء) و (ملاء لا ملاء) فما هو ليس بخلاء ولا ملاء عبارة عن شيء فيه شيء من كلّ منها بمستوى لا يرقى إلى أنْ يُطلقَ على أحدهما ولا أن يُنفى تمامًا من كليهما. لعلّنا نستعين هنا بمقاربة اصطلاحيّة فيزيائيّة لتوصيل فكرة الحالة الثّالثة هذه، وهي مصطلح الزّمكان، فهذا المصطلح يدلّ على حالةٍ يكون فيها الزّمان شبه زمان والمكان شبه مكان، ومن اجتماع الشّبهين تكوّن شيء ثالث، بمواصفاتٍ جديدةٍ اختلفتْ خصائصه عن كلا مكوّنيه، لذا يَصحّ القول إنّ الزّمكان هو لا زمان ولا مكان مع أنّه لا يتكوّن من غيرهما، وبالمثل نفهم فكرة لا خلاء ولا ملاء بأنّها تضمرُ معنى ثالثًا متكوّن منهما.

لا تنطبقُ مفهومات الفيزياء ولا مصطلحاتها على هذا المعنى الثّالث لأنّها جميعًا مصمّمة لقياسات ومواصفات خلائيّة أو ملائيّة فقط، لذا إنْ أريد فهم ذلك الشّيء الثّالث يُفترض إبداع أو اكتشاف مفهومات فيزيائيّة وكلاميّة جديدة على حدّ سواء للتّعامل معه، بما يُمكن أن يُوصف بأنّه ما بعد الفيزياء الحديثة، وضمن أبعاد علم الكلام الجديد.

بلا شكّ، نحنُ هنا نتحدّث عن مستوى معرفي أبستمولوجي (افتراضي) بحت، نحتملُ أنّه يقبع هناك وراء حدود انطولوجيّة النّقطة المفردة. لكونهِ أبستمولوجي فقد يشتركُ في مباحثه كلّ من الكلام الجديد والفلسفة، ونحن نعني بالفلسفة هنا فلسفة التّضامر؛ ذلكَ لأنّ أدواتها المنهجيّة تمتلكُ من الآليّات والإمكانيّات للنّفاذ إلى تلك الأبعاد اللامألوفة لتتوقّع خصائصها المحتملة. ليست هذه المهمّة باليَسيرة لكنَها ليست بالمستحيلة أو غير الممكنة نظريًّا أيضًا. لنضرب مثالًا عن الكيفيّة الّتي يُمكن أنْ ينتقلَ فيه التّفكير الإنساني إلى خارج الزّمان والمكان الكوني؛ ليتعرّف إلى ماهيّة ما يُسمَّى باللاخلاء ولا ملاء.

لو أخذنا مفهوم الزّمكان، فنحن نعلم أنّه يتحدّث عن أقرب معنى يُمكن أن تصلَ له الفيزياء لوصف النّقطة المفردة، حيث الزّمان والمكان يكونان غير متمايزين عن بعضهما، كلّ نقطةٍ هي الحاضر والماضي والمستقبل في الوقتِ نفسه، فلا حدث سابق لحدث، ولا مكان متأخّر عن مكان.

والآن، وفقًا لمبدأ التّضامر الذّاتي القائل بأنّ الشّيء يضمر لا مثيله، يمكننا توقّع احتمالات مفهوم لا يماثل مفهوم الزّمكان بخصائصهِ المعروفة دونَ أنْ نرتدّ إلى المفهوم السّابق لما قبل الزّمكان. لمعرفته يُمكن أن نسأل: ما المفهوم الّذي يُمكن أنْ لا يماثل مفهوم الزّمكان؟ كيف يُمكن أن نتصوّر حالة يكون فيها الشّيء ليس زمانًا ولا مكانًا ولا زمكانًا؟ إنّنا نسألُ هنا عن الّلازمكان أو ما بعد الزّمكان فإنّ تمكنّا من استنتاج ذلك المفهوم نظريًّا، فهو يُضمر الدّلالة عن وصف محتمل للحالةِ الثّالثة الّتي أشارَ إليها المتكلّمون من اللاخلاء واللاملاء، أو كما نُسمّيها (ملاء بلا ملاء) / (خلاء لا خلاء). لعلّنا نُجازف فنذكر احتمال أن يكون في تلك الحالة الشّبه زمكانيّة أنْ يُوجد زمان بلا مكانٍ تمامًا، أو بالعكس، مكان بلا زمان، أو جزء من زمان كأن يكون حاضر بلا مستقبل، أو ماضي بلا حاضر، وقد يكون هناك مكان له قبل بلا بعد أو بالعَكس بعد بلا قبل، وربَّما يكون هناك أكثر من زمان حاضر في النّقطة الواحدة، أو قد يكون لنقطةٍ أكثر من مكان… وما إلى ذلك من احتمالاتٍ أقلّ ما نصفها نحن الآن بأنّها لا عقلانّية، لأنّها بالفعِل احتمَالات لا يستطيع العقل المنطقي أن يتفهّمها، ونحن نعدّ هذا الحكم عليها مقبول لأنّها تتحدّث ليس عن عالمٍ  بمقاييس الفيزياء الّتي نعرفها بل نتحدّث عن احتمال لمستوى أبستمولوجي ذو فيزياء لا تماثل الفيزياء العاديّة؛ لذا لا غرابة من غرابة ما يُمكن توقّعه عن الزّمكانِ الخاصّ بذلك اللاخلاء ولا ملاء.

لكن إنْ تركنا افتراضاتنا الفلسفيّة البحتة هذه جانبًا، وعُدنا إلى مسار العلاقة التّضامريّة بين المعطى الكَلامي والمعطى الفيزيائي، وكرّرنا السّؤال: ما الّذي يُمكن أنْ يضمرَه الموقف الكلامي الذّاهب إلى أنّ ليس وراء العالم خلاء ولا ملاء بالنّسبة للفيزياء؟ فإنّ الإجابة المحتَملة هي أنّ ذلك يُضمر الدّلالة على أنّ ما وراء العالم أي ما قبل النّقطة المفردة لا يُوجد طاقةً ولا مادّة، بل حالة ثالثة، فإن أثبتَ العلمُ خلاف ذلك، فذلك يقتضي تفسير الّلاخلاء والّلاملاء الكلامي وفق المعطى العلمي أو تغيير المفهوم بالجملة، وإلى ذلك الحين الّذي يقطعُ فيه العلم قطعَ اليقين بما وراء النّقطة المفردة، فإنّ التّضامر -ووفقًا لمعطى الكلام- يُعطينا تصوّرًا عن حالةِ لا فيزيائيّة بحتة.

 

 النّظير يُكثِّر نَظيره (قانون 3)

بالرّجوعِ إلى تطبيقاتِ القانونين الأوّل والثّاني، يُمكن ملاحظة أنّ أجوبة الفيزياء تتكثّر بأجوبة الكلام وبالعكس، أي أن أجوبة الكلام تتكثّر أو تتعدّد بواسطة أجوبة الفيزياء.

لكنّ النّقطة الجدير التّنبيه إليها؛ أنّ تكثّر الأجوبة لا يأخذ القوّة نفسها، فالجواب الفيزيائي لدى الفيزياء هو المُظهر وهو الأصل الواقعي الّذي يُبتنَى عليه، ويأتي الجواب الكلامي كرديف مضمر له. تنعكسُ العمليّة حين نأخذ علم الكلام كأساس، إذ يُصبح الجواب الكلامي هو الأصل المُظهر بينما يردفهُ الجواب الفيزيائي. في المحصّلة، يتوفّر كلّ علم على إجابتين على الأقل: واحدة مُظهرة وهي الّتي تكون من جنسه، وواحدة مُضمرة وهي الّتي تكون من الجنس المتضامر معه بدلالةٍ محدّدة؛ الأمرُ الّذي ينتهي بنا إلى تعميم كثرة الأجوبة وهو القائل: إنّ «لكلّ سؤالٍ عددًا غير محدّد من الأجوبة» على اعتبار أنّ الدّلالات غير منتهيّة، وكلّ دلالة تفتحُ مجالًا لاحتمالِ إجابة جديدة. فيما يأتي، مثال عن مفهوم العدم وحقيقته، مُستقى ممّا سبق مناقشته في القانونين الأوّل والثّاني.

فالعدم في الكلام لا نهائي مُتّصل غير معدود وهو خزين من الممكنات القابلة للتّكوين. أمّا في الفيزياء فهو مجال لا نهائي متّصل من الطّاقة السّالبة. وفي التّضامر:

لمّا كان من حيث الكلام: مظهر العدم الممكنات وهو يُضمر كونه طاقة سالبة (بحر ديراك).

ولمّا كان من حيث الفيزياء: مظهره طاقة سالبة وهو يُضمر كونه خزين ممكنات بالمفهوم الكلامي.

فإنّ العدم تضامريًّا يحتمل هذين الوجهين المتضامرين؛ لذا يكون العدم تضامريًّا بدلالة الكلام والفيزياء: (ممكنات لا ممكنات) أو (طاقة سالبة لا طاقة سالبة).

 لو طرحنا السّؤال، ما فائدة ذلك لكلٍّ من الكلامي أو الفيزيائي، فإنّ الإجابة من وجهة نظر التّضامر هي: إنّ هذه الطّريقة من الفهم، تحمل الباحث في علم الكلام الجديد على أن ينظر إلى أي مسألة بمستويين أو أكثر حسب عدد العلوم الّتي يُجري معها علاقات تضامر، وبذلك هو سيفهم المسألة الّتي يبحث فيها بمنطق متعدّد القيم –إنّ لم نقل نظريًّا لا متناهي القيم-  فهي من حيث تخصّصه في الكلام ذات معنى معين؛ ولكنّه يُقلبها بواسطة التّضامر ليرى مفهومات أُخر من حيث  العلوم الأخرى، وهذه العمليّة لها فوائد فلسفيّة عديدة، منها: أنّه سيرى انعكاس مفهوماته بأنماط أُخرى في الوجود، كما سيرى تجليّات فهمه في الواقع بأكثر من لون، ومن فوائدها أنّها تحرّر العقلَ من التّفكير المقيّد الثّنائيّة الأرسطية القائمة على مبدأ (إمّا – أو)، الّتي تفرز من جملة ما تفرز قضيّة الفصل التّام والعزل الكلّي بين العلوم، فترفع بعضًا وتضع آخرين. وفي المقابل تعزّز ثقافة التقبُّل للأوجه المتعدّدة، وتعزّز فكرة التّواصل والتّرابط أو الّتشارك دون أن يعني ذلك خلط الأوراق بإلغاء الخصوصيّة الذّاتيّة لكلّ علم. هذا فضلًا عمّا أشرنا إليه من إمكانيّات عكوسة للتّكامل الذّاتي أو الموضوعي؛ إذ يُمكن للكلامي بواسطة معلومة فيزيائيّة أن يصحّح مسار تفكيره العقلي، إضافة إلى أنّه يُمكن للفيزيائي بواسطة معلومة كلاميّة أن ينتهي إلى حلول فيزيائيّة لمشكلاتٍ عالقة لم يجد لها سبيلا.

تضامرات تكميلية

(1) يُخبرنا الجبّائي أنّ الجواهر هي جنس واحد، فيقول: «الجواهر على جنسٍ واحدٍ، هي بأنفسها جواهر، وهي مُتغايرة بأنفسها، ومتّفقة بأنفسها، وليستْ تختلفُ في الحقيقة» ([99])، أي: أنّها ومع واحديتها قد تكون مختلفة أو متماثلة.

لقد شرح الطَّائي هذه الفكرة بالقول: أنّ تماثل الجواهر وتجانسها يؤكّد أنّها ماهيّات تجريديّة أبستمولوجيّة لا تتّخذ معناها الأنطولوجي إلَّا بعد أنْ يتّصلَ بها عرض. في هذا ينبغي التّأكيد أنّ اختلاف الأجسام مُتأتٍّ إذن من اختلافِ الأعراض الّتي تحملها الجواهر؛ بمعنى أنّنا إذا تصوّرنا الجواهر الفردة جُسيماتٍ أوّليّةٍ فإنّنا ينبغي أنْ نعني بها ماهيّات تلكَ الجسيمات عارية عن صفاتِها جميًعا. هذا لعمري تصوّر فائق مبكر لماهيّات فائقة التّناظر Super-symmetric Entities ([100]).

يُمكن في هذا السّياق الاستفادة من خواص الجواهر الفردة وعلاقتها بالأعرَاض لتوضيح المعنَى الدّقيق لمفهوم التّضامر الّذي نُحاول التّنظير له، وذلك بالوجهِ الآتي:

لمّا كانت الجواهر الفردة قابلَة لجميع الاحتمالات، فهي قابلة أنّ تكونَ الشّيء أو لا مثيله بالضّرورة، ولمّا كانت تك القابليّة مُرتبطة بالأعراض لا بأصلِ الجواهر؛ فإنّ ذلكَ يدلّ على أنّ أيّ عرض مظهر في جوهر ما هو في حقيقة الأمر يُضمر إمكانيّة وجود أعراض لا تُماثله في ذلك الجوهر. هذا الإضمارُ مُتأتٍّ من قابليّة الجوهر على تقبّل جميع أنواع الأعراض الممكنة.

يُمكن في سياقِ هذا البحث الاستفادة من خواصِ الجواهر الفردة لإقامةِ علاقةِ تضامر بين خَواص تلك الجوَاهر وبين خواص التّضامر نفسه؛ وذلك للتّعرف بوجهٍ أكثرَ تفصيلًا إلى المضمون الأبستمولوجي لمفهوم التّضامر. على هذا فصيغة العلاقة ستكون بالشّكل:

الجواهر الفردة ı|ı مفهوم التّضامر ← خواص الجواهر في الكلام

ما يُمكن أن يترتّبَ على هذه العلاقة الفكرة القائلة: إنّنا لو تابعنا خصائص الجواهر لرأينا أنّها أبستمولوجيا متماثلة؛ ولكنّها أنطولوجيا لا متماثلة، وذلك لأنّها من حيث الحالة الأبستمولوجية تتّصف بالثّبات، بينهما من حيث المستوى الأنطولوجي هي تتّصف بالّلاثبات بل التّغيّر المستمر بسببِ تجدّد الأعراض. ولمّا علمنا أنّ المتكلمينَ يُطلقونَ على الجواهر قبل تحيّزها، أي في الحالة الّتي تكون فيها في المستوى الأبستمولوجي مصطلح شيء وتلك الأشياء مُتماثلة في ذاتها لجميع التّغيّرات في الأعراض، فإنّنا نستطيع أن نتفهّم مبدأ التّضامر القائل إنّ «”كلّ شيءٍ يضمرُ لا مثيله بدلالةِ محدّدة»، إذ هو تمثّل لمقاربة أنّ أي جوهر يُضمر جميع الاحتمالاتِ الّتي لا تماثله أو كما في الوصف العلمي، كلّ جوهر يُضمر فائقيّة التّناظر.

التّضامر هو حقيقة الوحدة الأبستمولوجية المستترة في الكثرة الأنطولوجية؛ وعلى هذا، فإنّ الشّيء حين يضمر لا مثيله، فهو يضمر نفسه في غيره، كما يضمر غيره في نفسِه، فالوحدة جوهريّة مُتجانسة والكثرة احتماليّة مُتجدّدة.

(2) تأسيسًا على مضمون الفكرة السّابقة، إذا أقمنا علاقة تضامريّة بين الجواهر الفردة وبين العلوم المختلفة بدلالة التّضامر، فإنّ صيغة العلاقة ستكون بالشّكل:

الجواهر الفردة ı|ı العلوم المختلفة ← خواص التّضامر

ما يترتّب على هذه العلاقة هو الفكرة الآتية: نعلمُ أنّ العلومَ المختلفة لها وجود أنطولوجي اعتباري، وهي متغيّرة باستمرار؛ فهي لذلك تُعد بمنزلة الإعراض لحقائق العلوم الجوهرية، أي: أنّنا -ووفقًا لذلك- نفترضُ أنّ العلوم المتداولة هي بمنزلة إعراض، أنّ لكلّ علم من العلوم حقيقة خاصّة به هي بمنزلة الجوهر الّذي يتمظهر منه ذلك العلم.

إذا علمنا أنّ الجواهر في الكلام مُتجانسة أي على جنس واحد، وأنّها مُتغايرة بأنفسها، ومتّفقة بأنفسها، ولا تختلف في الحقيقة مع بعضها بعضًا، كما ذكر الجبّائي، فإنّ ذلك يُضمر الدّلالة على أنّ حقائق العلوم بهذه الخصائص، أي أنّ حقائق العلوم، جميع العلوم من جنسٍ واحدٍ مهما بدَت في تمظهراتها مختلفة أو متمايزة عن بعضها بعضًا، كالاختلاف الّذي يُلاحظ بين العلم الطّبيعي والعلم الفلسفي والعلم الّلاهوتي. إضافةً إلى أنّ حقائق العلوم أو جواهرها لا تختلف مع بعضها بعضًا، بل هي مختلفة في أنفسها ومتّفقة في أنفسها؛ وهذا يعني أنّ ما يُشاع من خلافٍ بين العلم والدّين والفلسفة، هو خلاف ليس في جوهر العلوم بل في تمظهراتها الّتي تُظهر الاختلاف، غير أنّ ذلك المُظهر يُضمر التّجانس والوحدة.  

على سبيل المثال، فإنّ علم الكلام وعلم الفيزياء بمنزلة أعراض قائمة في جواهر الحقائق الفردة، كلّ جوهر من تلك الجواهر تميّز بما فيه من عرض فاختلفت المناهج اختلافًا جذريًّا فيما بينهما في المستوى الأنطولوجي؛ لذا فالكلام شيء والفيزياء شيء آخر أنطولوجي؛ ولكن لمّا كانت أصل الجواهر المعرفيّة متجانسة من حيثُ بساطتها ووحدتها الأصليّة واتصاليتها ببعضها بعضًا، وتقبّلها لجميع الاحتمالات؛ فإنّ ذلك يدلّ -بحسب فهمنا- على أنّ ذلك التّمايز بين الكلام والفيزياء ليس أكثر من مظهر يضمر ما لا يماثله من الّلاتمايز، وبسبب قابليّة أصلهما المشترك على تقبّل جميع الاحتمالات، فإنّ بالإمكان توقّع إمكانيّة أن تتعرّف العلوم المختلفة إلى أنفسها وكأنّها مرايا مُتقابلة.

(3) بالمثل نعلمٌ أنّ المتكلّمينَ قالوا إنّ الجواهر تتجاور ولا تتداخل. وهذا يضمر الدّلالة على أنّ حقائق العلوم تتجاور لا تتداخل مع بعضها؛ إلّا إذا ثبت علميًّا أنّ الجواهرَ الماديّة تتداخلُ ابستمولوجيا، فحينها سيضمر ذلك الدّلالة على أنّ الجواهرَ الكلاميّة ينبغي أن تُعدل في الكلام الجديد بحيث تفهم على أنّها تتداخل، وهذا يُوصلنا إلى أنّنا سنقول حينها إنّ حقائق العلوم تتداخل. ولو افترضنا أنّه قد أُتيح لنا ما يُثبت أنّ حقائق العلوم تتداخل؛ فهذا سيُضمر الدّلالة على أنّ الجواهر الكلاميّة والماديّة كلاهما يتداخلان ولا يتجاوران فحسب.

(4) لمّا علمنا أنّ غالبية المتكلّمين يذهبونَ إلى القول إنّ الجواهر الفردة مُتناهية، فهذا يُضمرُ الدّلالة على أنّ حقائق العلوم مُتناهية، كلّ علم من العلوم له حدّ يقف عنده، ومنتهى يدورُ في فلكه، فلا علم لوحده بقادر على أن يحيط بجميع المعارف، ولا يستطيع علم بمفرده أنْ يُعطي الأجوبة النّهائيّة عن كلّ شيء؛ لأنّه وبحسب مقولة المتكلّمين: «كلّ ما حصره متناه يجب أن يكون متناهيًا».

(5) لمّا علمنا أنّ مثل الجواهر عند المتكلّمين كمثل النّقطة، هي في واقع الأمر لا أبعاد لها في حالتها المنفردة، لكن تُصبح لها أبعاد عند انضمام بعضها إلى بعضها الآخر. فإنّ ذلك يضمر الدّلالة على أنّ علمًا بمفردهِ لن تكون لهُ أيّ قيمة أو معنى، وأنّ ما يُفترض أن يكون وهو كائن إلى حدّ ما هو أن تتشارك العلوم فيما بينهما ليكونَ لها أبعاد ممتدّة من حقائقها في نسيج الواقع المتشابك. وكلّما تضافرت العلوم ازدادتْ وضوحًا في التّعبير عن الواقع من نواح أو جوانب متعدّدة، والعكس بالعكس. ومّا التّضامر إلّا تجسيدًا عمليًّا لذو منحى جديد لهذه النّظريّة.

* * *

بهذا الأسلوب يُمكن أن نتوصّل لمختلفِ الاستنتاجاتِ المتضامرة بين الكلام والفيزياء والتّضامر في حالِ توفّر معلومة في أحد العلوم المقام بينهما علاقة تضامر.

 

وبعد، هلْ هناكَ فيزياء كلاميّة؟

يذكرُ الطَّائي أنّ الدَّكتور محمَّد عابد الجابري كان قد نَقد نقدًا لاذعًا في كتابه «نقد العقل العربي» مساهمات المتكلّمين في دقيق الكلام، متهكّمًا بفكرة الفيزياء الكلاميّة ([101])، فكان ذلك النّقد قد استفز الطَّائي كمتخصّصٍ في تلك المسائل، فردّ على مزاعم الجابري واستخفافاته، بلهجةٍ شديدةٍ واصفًا إيّاه بأنّه يجهلُ مضامين تلك المسائل الّتي تناولها المتكلّمون بالمنظار العلميِّ لبعدِ تخصّصه عنها، وقال: «أنَا الفيزيائي النّظري المعاصر قد تأكّد لي أنّ للمتكلّمين موقفًا ناضجًا ورؤيةً عميقةً وفهمًا ثميًنا سبق العلم المعاصر بزمنٍ بعيد»([102]). كاشفًا عن أنّ (الفيزياء الكلاميّة) تتفوّق في قيمتها المفهوميّة المعاصرة على ما لدى أرسطو وجميع فلاسفة اليونان.

إنّ ما يُمكن استشفافه من إثبات معقوليّة المسائل الكلاميّة الّتي تتناولها الفيزياء بل وعلميتها هو المحاولة الجادّة للكشف عن إمكانيّة التّقاطع بين المناهج المختلفة في المباحث المشتركة؛ إذ مع أنّ منهجيّة المتكلمّين تختلفُ جذريًّا عن منهجيّةِ العلمِ الحديثِ إلَّا أنّ التّطابقَ في النّتائج يعرب من جملةِ ما يعرب عنه، عن إمكانيّة الانفتاحِ على مناهجَ أُخرى لاكتشافِ المعرفة. فما يُراد بالفيزيّاء الكلاميّة هو التّعبير عن ذلك، أي عن إمكانيّة ركون العقل لغيرِ العالم في معرفة العالم، شريطة أنْ لا تُؤخذ نتائج ذلك الرّكون كمسلمّات إيمانيّة بل كفرضيات يتحقّق منها بالوسائل العلميَّة والتّكنولوجيّة الممكنة للتّحقّق من صحّتها، فيمسك الصّحيح ويحدث ما يُمكن تحديثه ويترك ما سوى ذلك.

بكلماتٍ أصَرح: بحسبِ نظريّة الطَّائي يُمكن أن يكون علم الكلام الإسلامي وهو علم عقلي مسترشد أو مستهدي بالنّص الدِّيني قد تمكّن -وَفق أسس عقليّة منطقيّة خاصّة به- من أن يكتشف نظريّات وقوانين تتطابق مع الواقع المحسوس، تطابقًا يماثل ما توصّلت إليهِ الفيزياء في نسختها الحديثة، وإنْ ثبتَ ذلك فيلزم توسيع مفهوم البحث العلميّ والتّوسع في فضاء العقلانيّة. لكن السّؤال الّذي يقتضي إجابة علميَّةً وصريحةً هُنا: هل يكفي ذلك لنقول بوجود فيزياء كلاميّة وأنّ المتكلّمين كانوا فيزيائيّين، في الأقل في دقيق الكلام؟ يُجيب الطَّائي بمنطقٍ قائلًا: «لستُ أدّعي أنّ المتكلمينَ كانوا فيزيائيّين مُعاصرين، ولستُ أريدُ أنْ أقول: إنّ المعتزلةَ سبقوا ديراك في فهمهم للعدَم فهذا ربّما يكون تلفيقًا تاريخيًّا معرفيًّا. لكنّني أريدُ أن أقول: إنّ الطّرحّ الكلامي كما نجدهُ في إطارهِ الفلسفي هو تلخيصٌ متقدّم لرؤيةٍ عميقةٍ متكاملةٍ للعالم، لا تخلو من أخطاء ونواقص دونَ شكّ؛ ولكنّها يُمكن أنْ تؤسّس لفلسفة طبيعيّة متقدّمة، فلسفة غير متناقضة مع ذاتها تمتلكُ كلّ أدواتها المنسجمة مع بعضها لتؤدّي بنا إلى فهمٍ أعمق للعالم ربّما يساعدنا على استكشافه» ([103]).

إذن، لم يكن المتكلمون فيزيائيين، وهذا صحيح، فهم إن كانوا شيئًا فقد كانوا لاهوتيّين، أي علماء استخدموا العقل لفهم المستوى الغيبي متمثلًا بالإلهيات، والمستوى الشّهادي ([104]) متمثلًا بالطبيعيّات. وهنا نستدعي التساؤلات الأهم في هذا البحث وهي: إذا كان المُتكلّمون ليسوا بفيزيائيين، فلماذا وجدنا مثل هذه التّشابهات –وربّما التّطابقات- بين ما توصّل إليهِ المتكلّمون المسلمون وهم لاهوتيون –إنْ جازَ التّعبير- وبين أحدث النَّظريَّات العلميَّة الحديثةِ والمعاصرة؟ أهي المصَادفة؟ أمّ أنّ كلّ شيءٍ مغروسٌ في العقلِ كما يَرى الفلاسفة المثاليّون؟ أم أنّ ذلكَ يُثبتُ مصداقيّة النَّص الدِّيني وإطلاقه وتضمّنه لتلك الحقائق وإمكانيّة العقل أنْ يستنبطها منه، أم لشيءٍ آخر؟

أيًّا ما تكُن الإجابة وهي ستكون من المختلف عليها بلا شكٍّ، فمن وجهة نظرنا أنّ سبب التّشابه بين ما توصّل له الكلام وما توصّلت لهُ الفيزياء يعودُ إلى التّضامر، وما نعنيهِ بذلك هو أنّ المعلومة الكلاميّة المظهرة هي في الأصل تضمُر المعلومة العلميَّة والعكس بالعكس؛ ذلك لأنّهما أعني الكلام والفيزياء وجهان مُعبّران عن حقيقةٍ واقعيّةٍ واحدة، الكلامُ يُعبّر عن المعنى والفيزياء عن المبنى للأمرِ ذاته، فيظهر لنَا التّشابه وأحيانًا التّطابق، ويُمكن –بالتّأكيد- الاستفادة من ذلك لاستلهام التّكامل فيما بينهما.

إنّ فهمَ الأمر بهذه الطّريقة يحملُنا على إعادة النّظر في قضيّة الاستبعاد الكلّي لكلّ ما يُسمَّى اللاعلمي لكونهِ يركنُ إلى نصٍّ ديني، هذا لا يعني القول بإعادتهِ ليكون في المقدّمة، بل الأحرى القول إنّ مكانته الصّحيحة في المسيرة العلميَّة هي مكانة المستشار من الحاكم.

لا يدحضُ ما نَرمي إليهِ قول قائل: إنّنا بذلك نفتح بابًا للأساطير والخرافاتِ واللاعقلانيات أنْ تدبّ دبيبًا مسرطنًا في العقلانيًة العلميَّة، ولسنَا بحاجةٍ إلى مثل هذه المخاطرة. أقولُ: القضيّة أي قضيّة يُمكن أن يُصاب الإنسان منها بالرّهاب إذا أرادَ أنْ ينظرَ إليها بالتّشويهِ والسّوداويّة الضّيقة، فأن تحرقنا النّار لا يعني ألَّا نقترب منها نهائيًّا درءًا للمفسَدة وسدًّا للذّريعة، بل يُمكن وَفق منطقٍ محكوم بالعقلِ نفسهُ أنْ نستفيد ممّا في النّار من خصائص تُوظّفُ لخدمتنا مع حرصِنا على سلامة أنفسنا ممّا يترتّبُ على تلك الخصائص النّافعة نفسها من مضار إذا لم نُراعي شروط السّلامة والأمان. بالمثلِ، يُمكن التّعامل مع العلوم المستَرشدة بالنّص الدِّيني كعلمِ الكلام الإسلامي إذا كانت تلك النّصوص ذات صلة بمباحث علميَّة مُشتركة، وكانت نسبة تضامراتها مع النّتائج العلميَّة كافيَة أو مُناسبة ليُستلهم منهَا حلولًا لمشكلاتٍ علميَّة عالقةٍ، أو لتوجّه التّجارب العلميَّة في مساراتٍ ربّما غير متوقّعة، كإعادةِ النّظر في قضيّة تواصلية الزّمان من تواصليته على سبيل المثال.

إذن، وفي معرض الإجابةِ عن العلاقةِ بين المعرفةِ العقليّة المجرّدة وبين المعرفة الحسّية أو المستفادة من التّجربة فإنّنا نعتقدُ أنّ الاعتماد على التّفكير العقلي المجرّد ليس خاطئًا خطئًا كليًّا، كما ذهبَ هيوم، ولا يصحّ أن يكون الوحيد أو بمعزل عن الحسّ والواقع كما قال أفلاطون أيضًا.  لعلّ الرّأي الأقرب لمفهومات التّضامر هو الخطّ الثّالث بين العَقليين والتجريبيين الّذي اقترحهُ كانط، حيث ذهبَ إلى أنَ هناك نوعًا مهمًّا من الحقيقةِ في كلّ من المقاربتين، فـ «الأفكار دونَ المحتوياتِ فارغة، والحدُوس من دونِ المفهوماتِ عمياء» ([105])، أي العقل يحتاجُ إلى الواقع، والواقع يحتاج إلى العقل، ومنهما معًا تنشأُ المعرفة. بهذا الموقف يُعرب عن القصور في موقفِ كلّ من (لوك) و (لايبنتز)، فقد أخطأ (لايبنتز) حينَ جعلَ «الظّواهر عقليّة، مثلما أخطأ (لوك)… حين جعلَ كلّ مفهوماتِ الفهم حسّية»، وفي الواقع لا يُمكن لقدراتنا العقليّة أو الحسّية «أنْ توفّر الأحكامَ الصّحيحة موضوعيًّا بشأنِ الأشياء إلَّا باتحاد بعضها ببعض» ([106]). هذا يعني: أنّ العالم بما يتضمّنه من حقائق ليست بمعزلٍ تام عن بعضها بعضًا، هناك تقاطعَات وتنازعَات وتشابكات ومختلف أنوَاع التّقابلات والعِلاقات، الأمرُ الّذي يؤدّي إلى انبثاقِ التّضامراتِ فيما بينها، فمن يرى من جانبٍ وحيدٍ يُنكر حتمًا الجانب الآخر، ومن يرى من جانبين يُحاول بالتّأكيد التّوفيق بين الأمرين، ولا نرى إلَّا أنّ كلّ ذلك نتاج ضروري تقتضيه طبيعة الحقيقة المتضَامرة في نفسها.

* * *

ختامًا: أردنا في هذا البحث أنْ نحلّلَ ونناقش عددًا من الأفكار المتآزرة فيما بين التّوجه العلميّ للكلام الإسلامي متمثّلًا بمشروع الطّائي الدّاعي إلى علم كلام جديد، وبين توجّهنا الفلسفي المتمثّل بمشروع التّضامر، وفيما يأتي، خلاصة ما تمخّضت عنه قراءتِنا هذه:

* تبيّن أنّ لعلم الكلام منهجيّة إسلاميّة أصيلة، تتمثّل بالانطلاقِ من الوَحي إلى العالم عبر العقل. إضافةً إلى ذلك تبيّن أنّ للمتكلمينَ رؤيةً ومنهجًا لفلسفةِ العلمِ الطّبيعي تتوافق مع مُعظم ما توصّل إليهِ العلم الحديث، الأمر الّذي يُشيرُ إلى أنّ تلكَ الرّؤية، وذلك المنهج كان منذُ البدءِ على المسار الصّحيح. وأنّ هناكَ إمكانيّة في أنْ يُؤسّس الكلام الجديد لرؤية متكاملة مع المنهج العلميّ منسجمة مع تقنيّاته.

* تبيّن أنّ الثّقافة القرآنيّة الّتي كانت تُشكّل الخلفيّة الفكريّة لأوائل المتكلّمين هي الّتي قفزت بهم إلى مستوياتٍ معرفيّةٍ مُتقدّمةٍ مكّنتهم من تحقيقِ هذه المعجزة الثّقافيّة الحضاريّة الّتي تظهر اليوم لبعض الدّارسين وكأنّها أمرٌ غريبٌ على أمّةٍ حديثة العهد بالثّقافة والمعرفة والجدل الفلسفي، خرجت للتّو من صحاري جزيرة العرب، كما يصفُ الطّائي.


[1]– محمَّد باسل الطَّائي فيزيائي عراقي مُتخصِّص في نظريّة المجال الكمّي ونظرية النسبيَّة العامَّة. تخرّج في جامعة الموصل –العراق عام 1974م. حصل على الدّبلوم العالي في الدِّراساتِ المتقدّمة في الفيزياء النَّظريَّة، ببحثٍ عنوانه (معادلة ديراك في الفضاء المحدّب)، عام 1975، من جامعة مانشستر-المملكة المتحدة. أمّا الدّكتوراه فقد حصل عليها في الفيزياء النسبيَّة والكون، ببحثٍ عنوانه (طاقة الفراغ وBECفي كون أينشتاين)، عام 1978، من جامعة مانشستر-المملكة المتّحدة. وهو يعملُ حاليًّا أستاذًا للفيزياء الكونيّة بجامعة اليرموك بالأردن. للمزيد من الاطلاع على سيرة الطَّائي العلميَّة الزّاخرة انظر: موسوعة ويكيبيديا، محمَّد باسل الطَّائي.

[2]– الميثولوجيا: مصطلح إغريقي معناه مجموعة من الأساطير الّتي تستخدم لتفسير الطّبيعة والحقيقة الإنسانيّة.

[3]– الميتافيزيقيا: ما وراء الطّبيعة أي الأشياء الّتي لا تخضع لقوانين الطّبيعة، وأصله التّفكير العقلي في الماهيّات.

[4]– جون كونتغهام، العقلانية فلسفة متجددة، ترجمة محمود منقذ الهاشمي، مركز الانماء الحضاري، حلب، ط1، 1997، ص30.

[5]– المصدر نفسه، ص51.

[6]-الأبستمولوجيا: دراسة نقديّة لمبادئ مختلف ا لعلوم وفرضيّاتها ونتائجها، الرّامي إلى تحديد أصلها المنطقي، قيمتها ومداها الموضوعي، كما وتدلّ على فلسفة العلوم.

 الأنطولوجيا: هي علم يدرس الوجود بإطلاق، مجرّدًا من كلّ تعيين أو تحديد.

[7]– بيير سيمون لابلاس (1749 -1827)، رياضي وفلكي فرنسي.

[8]-أنظر: w. w. Rouse Ball, A Short Account of the History of Mathematics. Stereotyped Edition (London: MacMillan & Co, 1912; reprint, New York: Sterling  Publicatinos, 2001, 417-419.

[9]– هي نظريّة أساسيّة في الفيزياء الحديثة، والكوانتم أو الكم مصطلح فيزيائي يُستخدم لوصف أصغر كمّية يُمكن تقسيم الأشياء إليها، ويستخدم للإشارة إلى كميّات الطّاقة المحدّدة الّتي تنبعث بوجهٍ متقطّع، وليس بوجهٍ مستمر. وقد اقترح الطّائي مصطلح (ميكانيك الكموم) بدلًا من الكوانتم أو الكم؛ لأنّه رأى أنّه الأنسب. انظر: د. محمّد باسل الطّائي، الكون والعدم-بحث في صيرورة العالم وتطوّره وغايته، ص11.

[10]– راجع: د. محمد باسل الطائي، دقيق الكلام-الرّؤية الإسلاميّة لفلسفة الطّبيعة، عالم الكتب الحديث، أربد للنّشر والتّوزيع، ص247. 

[11]– المصدر السّابق، ص 248.

[12]– المصدر نفسه، ص 246

[13]– فريتجوف كابرا: فيزيائي نظري، انخرطَ في دراسة منهجيّة للآثار الفلسفيّة والاجتماعيّة للعلم المعاصر. من مؤلّفاته: طاو الفيزياء، ونقطة تحوّل، السّياسة الخضراء.

[14]– دقيق الكلام، مصدر سابق، ص107.

[15]– المصدر نفسه، ص8.

[16]– المصدر نفسه، ص13.

[17]– الشهرستاني، الملل والنّحل، تحقيق عبد العزيز الوكيل، مؤسّسة الحلبي، القاهرة، 1968، ج1ص25.

[18]– المصدر السّابق، ج1ص 47 – 48.

[19]– دقيق الكلام، مصدر سابق، ص 25.

[20]– فيلسوف ولاهوتي مسيحي، من مؤلّفاته: دليل الكل امال كوزمولوجي، عام 1979.

[21]– W. L. Craig, The Kalam Cosmological Argument, p. 17 and references therein.

[22]– دقيق الكلام، مصدر سابق، ص 32.

[23]– المصدر نفسه، ص 33.

[24]– المصدر نفسه، ص 30.

[25]– مقدّمة ابن خلدون، مكتبة لبنان، ص264.

[26]– دقيق الكلام، مصدر سابق، ص 20.

[27]– المصدر نفسه، ص 19.

[28]– راجع: القسم الثاني – الفصل الثالث – قوانين التّضامر.

[29]– سورة الجنّ، الآية 28.

[30]– القاضي عبد الجبّار، المحيط بالتّكليف، تحقيق: عمر السّيد عزمي، مُراجعة: د. أحمد فؤاد الأهواني، المؤسّسة المصريّة العامّة للتّأليف والأنباء والنّشر، الدّار المصريّة للتّأليف والتّرجمة، القاهرة، ص177.

[31]– المجال الكمي (Quantum Field): هو تعبير عن الوسط الحامل للقوة المكمّمة.

[32]– الكم نسبويّة: نظريّة بول ادريان يراك (1902-1984)، وضعها عام 1928 للوصف الرّياضي الدّقيق للجزيئات الأوليّة الّتي انسجمت مع كلًّا من ميكانيكا الكم والنّظرية النّسبيّة.

[33]– بحر ديراك (Dirac Sea): هو افتراض وجود بحر من الطّاقة السّالبة، عبارة عن الكترونات خياليّة أو افتراضيّة، تعمل على منع إلكترونات عالمنا الموجب من الوقوع في بحر الطّاقة السّالبة.  

[34]– مبدأ الارتياب أو اللايقين أو الّلاتحديد: هو مبدأ الألماني فرنركارلهيزنبرج (1901-1976)، يُقرِّرُ فيه: أنّ من المستحيل قياس زخم الجسيم أو موقعه معًا، في آن معًا، بدقّة لا متناهية، وكذا ينطبق على الطّاقة والزّمن أيضًا، وهو اللايقين الّذي نجده في ميكانيكا الكم.

[35]– في الفيزياء، قانون الانحفاظ هو القَانون الّذي ينصّ: على أنّ خاصّة مقيسة معيّنة لنّظام فيزيائي معزول تبقى ثابتة ما دام لم يتأثّر هذا النّظام بغيره. هنا كعدّة قوانين إنحفاظ يشكّل كلّ واحد كيانًا رياضيًّايُ ميّزت ناظرًا ضمن النّظام الفيزيائي، وهي: إنحفاظ الطّاقة، انحفاظ الزّخم الخطّي، إنّحفاظ الزّخم الزّاوي، إنّحفاظ الشّحنة الكهربائيّة، إنّحفاظ الشّحنة اللّونيّة، معادلة الاستمراريّة الّتي تتضمّن «إنحفاظ الاحتماليّة».

[36]– أبو الحسن الاشعري، مقالات الإسلاميّين واختلاف المصلّين، تحقيق: هلموت ريتر، بيروت، بطلب من دار النّشر كلاوس شفارتز فرلاغ برلين، 2005م، ص314.

[37]– أبو سعيد محمد السّيرافي، الغنيّة في أصول الدّين، تحقيق: عماد الدّين أحمد، مؤسّسة الخدمات الثّقافية، بيروت، 1987، ج1ص50.

[38]– هذا الرّأي من المتكلّمين هو بخلاف عامّة الفلاسفة الَّذين ذهبوا إلى أنّ التّجزئة ممكنة إلى ما لا نهاية له من الأجزاء وأنّه لا حدّ لها لتقف عنده. انظر: دقيق الكلام، مصدر سابق، ص 54.

[39]– الكوارك: هو جسيم أوّلي وأحد المكونين الأساسيين للمادّة في نظريّة النّموذج القياسي لفيزياء الجسيمات (المكوّن الآخر حسب هذه النّظرية هو الّليبتونات) لها كتلة ولكن أبعادها صفريّة، تُشاهدُ عند حدوث تصادم شديد بين البروتون والإلكترون. لا يُمكن أنْ تظهرَ الكواركات ظهورًا منفردًا حرًّا؛ فهي دائمًا محتجزة ضمنها درونات ثنائيّة (ميزونات) أو ثلاثيّة (باريونات) مثل البروتونات والنيوترونات.

[40]– دقيق الكلام، مصدر سابق، ص 82.

[41]– الطّاقة السّالبة –Aegative Energy: هي طاقة نظريّة مناظرة للطّاقة الموجبة يفترض وجودها في الخلاء (الفراغ).

[42]– الانفجار العظيم: نظريّة صاغها جورج جامو في نهاية الأربعينيّات من القرن الماضي، تقول بانبثاق جملة الكون من العَدم متوسّعًا بسرعة كبيرةٍ ثمّ ما لبث أن تباطأ، وبرد، فتخلّفت أجزاؤه تباعًا.

[43]– من خلال هذه الملاحظة، نجد أنّ الطَّائي يطبّق على قراءته التّحليل النّقديّ، فهو لا ينساق مع المعلومة من حيث بعدها العقائديّ الصّرف، بل يلحظ مدى موائمتها مع الواقع العلمي.

[44]– موسى بن ميمون، دلالة الحائرين، ترجمة: حسين أتاي، مكتبة الثّقافة الدّينيّة، ص202.

[45]– الأشعريّة نسبة لأبي الحسن الأشعري: مدرسة إسلاميّة سنّية، من كبار أئمتها: البيهقي والنّووي والغزالي والعز بن عبد السّلام والسّيوطي وابن عساكر وابن حجر العسقلاني والقرطبي والسّبكي.

[46]– الماتريديّة: مدرسة فكرية إسلاميّة تمثّل أتباع أبو منصور الماتريدي، وهي إحدى فرق الكلام ضمن الإسلام السّني التقليدي ولا تختلف بوجهٍ عام عن المدرسة الأشعريّة إلّافي بعض القضايا اليسيرة. أحد أشهر كتبهم: متن العقيدة الطّحاوية. يتبعُ كثيرٌ من علماء الماتريديّة المذهب الفقهي الحنفي في حين يغلب على الأشاعرة المذهب الفقهي الشّافعي والمالكي.

[47]– أبو الحسن علي بن محمد البزدوي، فقيه أصولي، من أكابر الحنفيّة ومن سكّان سمرقند، نسبته لـ (بزدة) قلعة بقرب نسف، له تصانيف، منها: (كنز الوصول) في أصول الفقه، ويعرف بأصول البزدوي، توفي سنة (482) هـ

[48]– البزدوي، أصول الدّين، ص12

[49]– القاضي أبو بكر محمد الباقلاني (950م-1013م)، إليه انتهت رئاسة المالكيّة فيوقتهِ، كان متكلّمًا أشعريًّا.

[50]– الباقلاني، تمهيد الأوائل وتلخيص الدّلائل، تحقيق: عماد الدّين أحمد، مؤسّسة الكتب الثّقافيّة، ط1، بيروت، 1983، ص38.

[51]– أبو الحسن الخيّاط، الانتصار والرّد على ابن الرّاوندي الملحد، تحقيق: هلموت محمد حجازي، مكتبة الثّقافة الدّينيّة، القاهرة، 1988، ص48.

[52]– ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، الخانجي، القاهرة، ج1 ص57 – 59.

[53]– دقيق الكلام، مصدر سابق، ص124

[54]– أبو الحسن الاشعري، مقالات الإسلاميّين واختلاف المصلّين، ص425.

[55]– الآمدي، أبكار الأفكار في أصول الدّين، دار الكتب، القاهرة، 2002، ص95 – 96.

[56] – الأشعري، مصدر سابق، ص321.

[57]– M. Jammer, Philosophy, p.259.

[58]– الأشعري، مصدر سابق، ص310 وص569-570.

[59]– دقيق الكلام، مصدر سابق، ص 246.

[60]– المصدر نفسه، ص 249.

[61]– ماكس بلانك (1858 -1947)، فيزيائي ألماني، يُعدّ مؤسّس نظريّة الكم، وأحد أهمّ فيزيائيّ القرن العشرين.

[62]Max Planck, Philosophy of Science, translated by W.H Allen, (London: 1939), p. 76.

[63]– دقيق الكلام، مصدر سابق، ص250.

[64]– أبو الوليد محمد بن رشد (1126م-1198م) فيلسوف، وطبيب، وفقيه، وقاضي، وفلكي، وفيزيائي، مسلم.

[65]– راجع: ابن رشد، الكشف عن مناهج الأدلّة في عقائد الملة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، 1998، ص35 وما بعدها.

[66]– أنظر اعتراف كولزولوشين في مقدمة كتابهم Cosmology. دقيق الكلام، مصدر سابق، هامش 1، ص 269.

[67]– الغزالي، تهافت الفلاسفة، تحقيق: مايكل مارمورا، مطبعة جامعة برجهاميونج، يوتا، 2000، ص127.

[68]– رسائل أخوان الصّفا، دار صادر، بيروت، 1984، ج2 ص 32.

[69]– الباقلاني، مصدر سابق، ص 66.

[70]– Aristotle, The complete works of Aristotle: the revised Oxford translation, Princeton U. P, 1984, P,405. Heavens, Princeton

[71]– للمزيد راجع مفهوم الأبستطولوجيا في القسم الأوّل من الكتاب.

[72]– نبّه الطائي هنا على أنّ المعتزلة كان لهم تصوّر بدائي مبكّر عن المعنى الفيزيائي للثّقل. انظر: دقيق الكلام، مصدر سابق، ص70.

[73]– عقَّبَ الطائي على هذه الفقرة بالقول: (إن العلم لن يكتشف عدم تجدد الأعراض لأنه باكتشافه الطبيعة الموجية للأشياء قد أثبت تجدد الأعراض)، وهو رأي سديد بحسب المنطق العلمي؛ ولكن ووفقًا لقوانين التّضامر يُمكننا توقّع اكتشاف لا مثيل ما يظهر أنّه ثابت علميًّا الآن، وحينئذٍ قد تتّسع نظرتنا وتصبح أكثر شمولًا أو دقّة لمفهوم تجدّد الأعراض.

[74]– Bjorken and Drell, Relativistic Quantum Field, Vol, II, John Wiley & Sons Ltd, 1964.

[75]– دقيق الكلام، مصدر سابق، ص101.

[76]– يضيف الطائي قائلًا: (هذا إذا ما كانت الفترات المجموعة محدودة أي لها قدر. أمّا إذا لم يكن لها قدر فإنّ جمعها على الوجه التفاضلي أيّ بطريق التّكامل ممكن ومقبول. وفي العالم المجهري، الذّري وتحت الذّري، إذ نفترض الاتّصال ابتداء فإنّ ذلك سيؤدي إلى ظهور اللانهايات لأنّ طبيعة ذلك العالم ذرية وليست اتّصالية. لذلك لا تظهر اللانهايات في حساب المجالات في العالم الجهري الماكروسكوبي).

[77]– ديفيد جوزيف بوم (1917-1992م) فيزيائي أمريكي، أسهم إسهامًا كبيرًا في فيزياء الكم، الفيزياء النّظريّة، والفلسفة وعلم النّفس العصبي. شاركَ في مشروع منهاتن.

[78]– هيو ايفريت (1930 – 1982)، درس الهندّسة الكيميائيّة والرّياضيات ثمّ تحوّل إلى الفيزياء، ووضع نظريّة العوالم المتعدّدة.

[79]– نيلز هنريك دافيد بور (1885 -1962) فيزيائي دانماركي كان مسيحيًّا ثمّ أصبح مُلحدًا، ولد في كوبنهاجن أسهم إسهامًا بارزًا في صياغة نماذجَ لفهم البنية الذّرية إضافة إلى ميكانيكا الكم وخصوصًا تفسيره الّذي يُنادي بقبول الطّبيعة الاحتماليّة الّتي يطرحها ميكانيكا الكم، يعرف هذا التّفسير بتفسير كوبنهاجن.

[80]– جون فون نيومان (1903 -1957) هو رياضي أمريكي هنغاري المولد لعائلة يهوديّة، قدّم مُساهماتٍ واسعةٍ ومُهمّة في كثيرٍ من المجالات، ويُعدُّ من أهمّ علماء الرّياضيّات في التّاريخ الحديث.

[81]– جون أرتشيب الدويلر (1911 -2008) عالم أمريكي فيزيائي من الأواخر الّذين شاركوا أينشتاين في أعماله وهو مبتكر مصطلح الثّقب الأسود كان من الّذين اشتركوا في مشروع منهاتن لإنتاج القنبلة الذّريّة الأولى.

[82]– J. A. Wheeler, Assessment of Everett’s ‘relative state’ formulation of quantum theory, Rev. Mod. Phys. 29, (1957): 463.

[83] – التّشاكه الكومي: حالة تتناغم فيها منظومتان كموميتان أو أكثر على نحو يجعل المجموع يتصرّف كفرد.

[84]– بموجب تفسير كوبنهاغن فإنّ القيام بقياس أي كمٍّ في الزّمن يقتضي أن يكونَ زمن القياس أطول من لحظة النّقلة الّتي يقضيها الجسيم في حركته وإلّا لن يبرح مكانه، وهذا ما يُسمّى تأثير زينو الكمومي. راجع:

  1. Misra and E. C. G. Sudarshan, J. Math. Phys. 18, (1977): 756; M. Namiki and S. Pascazio, Quantum Theory of Measurement Based on the Many-Hilbert- Space Approach, Physics Report 232, (1993) 301.

[85]– دقيق الكلام، مصدر سابق، ص 157.

[86]– عقَّب الطائي على هذه الفقرة قائلًا: (ليس هذا الشّرط ضروريًّا في تحقّق تفسير دقيق الكلام لأنّ للتّفسير الكلامي مضامينه القابلة للفحص وهو ما يضمره بخصوص تأثير زينو الكمومي واشتراطات تحقّقه على سبيل المثل. وحتى الآن فإنّ نتائج الأبحاث التجريبيّة لم تثبت خلاف ما توقّعته فلسفة دقيق الكلام).

[87]– جوزيف لويس لاغرانج (1736-1813)، تخصّص في الرّياضيّات والفيزياء الرّياضياتيّة، اشتهر بسبب نظريّة الأعداد والتّحليل الرّياضي.

[88]– أنظر: M. Jammer, p. 121

[89]– الغزالي، تهافت الفلاسفة، ص166-167.

[90]– المصدر السّابق، ص171.

[91]– هانز ريشنباخ، نشأة الفلسفة العلميّة، ترجمة: فؤاد زكريا، دار الوفاء، الإسكندريّة، 2004، ص150.

[92]– رودولف كارنابRudolfCarnap : فيلسوف ومنطقي ألماني، يهودي الأصل، وأحد أبرز زعماء الفلسفة الوضعيّة المنطقيّة logicalpositivism، تخصّص في الفيزياء والرّياضيات والفلسفة.

[93]– كلينتون ريتشارد دوكينزClinton Richard Dawkins: ولد في 1941 في نيروبي، كينيا، هو عالم بيولوجيا تطوّريّة وإيثولوجيا بريطاني وفيلسوف فيا لأديان وكاتب أدبيًّا تعلميّة. وهو معروف بآرائه في الإلحاد ونظريّة التّطور كما أنّه من أبرز منتقدي نظريّة الخلق ونظريّة التّصميم الذّكي.

[94]– وهو هالدين. انظر: آمير أكزيل، التّعالق أكبر لغز في الفيزياء، ترجمة: عدنان علي الشّهاوي، المركز القومي للتّرجمة، القاهرة، ط1، 2008، ص7.

[95]– جون بولنجهورن: فيزيائي بريطاني مختص في الجسيمات الأوّليّة، وقسيس مرسّم وعميد كليّة العلوم في جامعة كمبردج البريطانيّة.

[96]– جون بولنجهورن ، محاضرة في مؤتمر آينشتاين والله والزّمن، مركز إيان رامزي، جامعة أكسفورد، 2005.

[97]– الغزالي، تهافت الفلاسفة، ص31.

[98]– دقيق الكلام، ص201.

[99]– الأشعري، مصدر سابق، ص308.

[100]– في هذه النّقطة يُركّزُ الطَّائي على قدرة العقل العربي على التجريد ردًّا على المتغرّبين المعاصرين المتّهمين العقل العربي بالعجز عن ذلك. ص 69 -70

[101]يُذكر أن مصطلح (الفيزياء الكلاميّة) لم يكن الجابري الوحيد الّذي استخدمه، وفي سياق مقارب جاءت دراسة الباحث الهندي نور ضناني في جامعة هارفورد بعنوان (النّظرية الفيزيائيّة لعلم الكلام). أنظر: AlnoorDhanani, The Physical Theory of Kalam, New York: E. J. Brill 1994)

[102]– دقيق الكلام، مصدر سابق، ص17.

[103]– دقيق الكلام، مصدر سابق، ص107.

[104]– من الآية القرآنية: {…عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيم ُالْخَبِيرُ}، الأنعام:73. فالشّهادة ما تدركها الحواس، والغيب وما يغيب على الحواس ادراكه.

[105]– راجع: جون كوتنغهام، مصدر سابق، هامش34، ص100.

[106]– المصدر نفسه، ص100، هامش35.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *