العلم وما قبل الانفجار العظيم!

هل يستطيع العلم ان يخبرنا بما موجود قبل الانفجار العظيم؟ اي: هل تستطيع الفيزياء ان تخبرنا من أين اتى الانفجار العظيم؟ ما الذي سببه؟ لماذا حصل؟
الاجابة المباشرة: نعم، يستطيع [ولكن نظريا]. وأما تفصيل الاجابة فكالآتي:
————
البداية كانت حين ظهرت طاقة ثم تحولت تلك الطاقة الى مادة.. لكن، من اين ظهرت الطاقة اولا؟ هذا هو السؤال الأهم؟
الإجابة: ظهرت الطاقة من الطاقة شبه الفيزيائية! ما الذي يعنيه ذلك؟!
———–
حسنا..
الفيزياء تشتغل وفق معايير صارمة، وقواعد ثابتة، وبحسب معاييرها، ان الشيء (الجسيم او الموجة) اذا كان زمن وجوه (عمره) اقل من زمن بلانك، فلا يمكن ان يوصف بأنه موجود فيزيائي حقيقي ولو كان موجودا بالفعل.
شرط اساسي ان توفر سمي الشيء فيزيائيا وان لم يتوفر سمي ميتافيزيائيا. بإمكانك وصفه بانه رياضياتي او افتراضي او مجازي او تخيلي، ما تشاء، لكنه ليس وهمي، هو موجود لكن لا تنطبق عليه قوانين الفيزياء المحدودة بقواعد زمانية ومكانية معينة.
لو تم مستقبلا توسيع مدى الفيزياء لتشمل ما بعد الانفجار وما قبله، سوف يعد موجودا فيزيائيا حقيقيا، واما الان، فلا نستطيع وصفه بذلك، لأنه ينتهك زمن بلانك. ولكن ما هذا الزمن ؟
———-
زمن بلانك هو: 0.0000000000000000000000000000000006626 من الثانية الواحدة.
تصوروا تم حساب هذاالزمن عام 1900 من قبل ماكس بلانك، وتم التحقق منه في المعجلات الحديثة، فهو زمن رسمي وحد فاصل بين ما يوصف بالفيزيائي وشبه الفيزيائي.
لنوضح الامر اكثر:
عندما يطلق العلماء في المسرعات او المعجلات الكترونين باتجاهين متعاكسين، وعندما يصلا الى سرعة قريبة من سرعة الضوء يجعلوهما يتصادمان، ما ينتج في حساسات الكومبيوتر هو انطلاق طاقة نتيجة انفجارهما، ومن هذاالطاقة تتولد جسيمات مادية، بعضها يبقى ويمكن رصده وبعضها ليس بموجود اصلا، وكل ما خلفه وراءه هو اثره. يعني الحساسات التقطت اثره ولم تلتقطه هو.
الآن: الجسيم الذي بقي هو جسيم له عمر تكوين مساوي او اكبر من زمن بلانك، والجسيم الذي لم يلتقط ظهر واختفى في اقل من زمن بلانك. نعم خلّف اثر يدل على وجوده، لكنه ليس بموجود فيزيائي حقيقي لان عمره قصير جدا (اقل من زمن بلانك).
وهذا يعني ان الانفجار العظيم والذي نشأ اول مرة كان زمن وجوده اكبر من زمن بلانك، ولو كان اقل من زمن بلانك لعاد واختفى.
وهنا السؤال: يختفي الى أين؟ هو اصلا من اين ظهر؟
———–
يختفي الى حالة الطاقة التي يكون تواجدها اقل من زمن بلانك….!!!
يعني، وفقا لمعادلات الفيزياء، ما قبل الانفجار العظيم، يوجد بحر من الطاقة الصفرية، تسمى (طاقة النقطة الصفر) والبعض يسميها (الطاقة القاعية) وهي الحد الأدنى من الطاقة التي لا تملك قدرا كافيا من القوة لتبقى زمنا يساوي زمن بلانك.
تخيل انك تريد ان تشتري سيارة سعرها 1000$ مثلا وانت تملك (999.999$) لن تستطيع شراءها، لانك لا تملك القدر الكافي من الطاقة. هذا هو شأن الطاقة الموجودة خارج الانفجار العظيم والكون الذي نحن فيه.
————
دعنا نوجز ما تقدم:
(1) الوجود الحقيقي نسبة للفيزياء ذي مستويين: طاقة كافية للبقاء المحسوس ومثالها كوننا، وطاقة غير كافية للبقاء المحسوس ومثالها الحالة التي جاء منها كوننا.
(2) هذا الكون العظيم الذي نراه والذي فيه اكثر من 100 الف مجرة في كل مجرة قرابة 100 الف نجم، يسبح في بحر من الوجود شبه الفيزيائي، يحيط به من الخارج طاقة قاعية.
(3) من غير المستبعد ان تلك الطاقة القاعية كما خلّقت كوننا انها تخلق أكوان لا حصر لها ولا عد، قبل كوننا وبعده بل متزامنا معه.
(4) تلك الطاقة ليس فيها زمان لانها اقل من الزمان، وليس فيها مكان لانها اصغر من المكان (لم اتطرق لشرط طول بلانك للاختصار والتبسيط) فهي لا زمكانية… منها جاء الكون.
———–
القصة طويلة وشائقة، وينفتح على اسئلة مثيرة للاهتمام يعني مثلا:
لماذا انتجت تلك الطاقة القاعية الكون، او لماذا تنتج الاكوان؟
كيف تحقق العلماء من وجودها؟ هل يوجد ما يثبتها علميا؟
والسؤال الفلسفي الخالد: من أين اتت تلك الطاقة اللازمكانية اصلا؟ هل خلقت نفسها او خلقها شيء سابق لها؟
ولعل الاهم عند آخرين: أين الخالق من ذلك كله؟
واسئلة غيرها لا يسع المجال لمناقشتها، ولكن الشيء الاكيد الجدير بالذكر هنا، أنه ليس أروع ولا أكثر إثارة من أن تحاول ان تلامس بعقلك الحواف الخارجية للبدايات.. دمتم بسلام.


من منشورات الفيسبوك بتاريخ 11 ديسمبر 2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *