التّضامر بين الفيزياء الكونيّة وعلم التّصوّف الإسلامي

كيف نشأ الكون؟ في هذه الدّراسة سنُحاول الاقتراب من الإجابة عن هذا السّؤال وَفقًا لعلمين لا متماثلين وهما: علم الكون والتصوّف الإسلامي، وذلك بالاستناد إلى أدوات التّضامر وقوانينه، في قراءة قد تكون إرشاديّة أكثر منها استكشافيّة. وفيها سنعمد إلى تطبيق فرضيتنا بشأن النّوع الثّالث من أنواع التّضامر وهو المسمى المشترك أو ذاتي لا ذاتي، ومعه سنقرأ الافتراضين الثّاني والثّالث من نظريّة التّضامر.

اللاتماثل بين الفيزياء الكونيّة وعلم التّصوّف:

تُعدّ الفيزياء أمّ العلوم الطّبيعيّة ([1])، حيثُ تدرس كلّ ما يتعلّق بالمادّة وحركتها، إضافةً إلى مفهوماتٍ أخرى كالفضاء والزّمن، ويتعامل مع خصائص كونيّة محسوسة يُمكن قياسها مثل: القوّة والطّاقة والكتلة والشّحنة. وتعتمد الفيزياء المنهج التجريبي، أي: أنّها تُحاول تفسير الظّواهر الطّبيعيّة والقوانين الّتي تحكم الكون من طريق نظريّات قابلة للاختبار ([2]). أمّا التّصوّف، فهو علم ديني، يتّجه فيه الصوفي ([3]) لمعرفة نفسه، ومن طريق معرفته لنفسه يتمكّن من معرفة ربّه، فإذا عرف ربه تمكَّن من معرفة كلّ شيء سواه ([4])، فعلم التّصوّف «إلهامات، تبدأ بعد نهاية أهل الفكر والدّرس، وقوامه معان واستنباطات، وفهم في أسرار القرآن» ([5]).

الفيزياء علم كسبي ([6]) تراكمي ([7]) يتعاون على إنجازها فريق عمل دؤوب مؤهّل بقدراتٍ عالية، وبالاستعانة بآليات تقنية على درجة من الدقّة، يعتمدُ على العقل، وميدانه الطّبيعة بما فيها، وسمته الموضوعية “Objective” الّتي لا ترتهن على طريقة الإدراك الذّاتي الإنساني للأشياء والظّواهر ([8]). أي أنّ علماء الفيزياء تخصّصوا في الطّبيعة تخصّصًا موضوعيًّا مبتعدين عن الذّات أو النّفس الإنسانيّة، وأي تأثير لها في التّجربة أو الاكتشاف العلمي؛ على حين التّصوّف في جانبه الكشفي، هو علم وهبي ([9])، كلي ([10])، لا يعتمد على العقل في تلقّي المعرفة الكشفيّة بل على القلب ([11])، وميدانه ترك الدّنيا بما فيها (الطّبيعة)، وسمته الذّاتية Subjective القائمة على التعمّق في الذّات الإنسانيّة (النّفس). فالصّوفية –بخلاف الفيزيائيين- زهدوا في الدّنيا (الطبيعة) وجاهدوا أنفسهم كي تتخلّص من تأثيراتها، يعدّونها خلقًا زائلًا يحجبهم عن الحقّ الّذي لا يزول. يكتفون في معراجه منح هذه المعرفة، بالتّسامي الرّوحي والعلم اللدُنِّي، من دون توظيف أي آلية خارجيّة، بل في خلوة ضروريّة يتفرّغون فيها للذّكر فقط.

إضافةً إلى أنّ العلوم الطّبيعيّة بوجهٍ عام، والفيزياء الكلاسيكية بوجهٍ خاص، لا تستطيع أن تصل إلى فهم تام شامل لماهيّة الواقع. فالقوانين لا تعدو أنْ تكون علاقات ثابتة بين الظّواهر ولكنّها ليست علاقات مفسّرة للظّواهر عينها. من ثمّ وجدنا أنّ القوانين لا تكشف لنا عن سبب وجودنا ولا ترشدنا إلى علّة الظواهر. ومن جهة ثانية، فإنّ هناك مشكلاتٍ تنكّر لها العلم الطّبيعي أو تجنّب الخوض فيها، في الوقت الّذي لا ينفكّ فيه الإنسان عن طلب معرفتها، كمحاولة معرفة ما عسى أن تكون عليه طبيعته، وماذا سيؤول إليه مصيره؟ وماهيّة خلود النّفس؟ وحقيقة الله خالق الكون ومدبره… والعلم لا يغني في هذا المضمار شيئًا يذكر. إضافةً إلى أنّ العلم الطبيعي يتغافل عن مشكلة الفعل الإنساني وغايته، ويترك المشكلة الأخلاقيّة دون أن يلتمس لها حلًا موفقًا ([12]). على الطّرف الآخر نجد أنّ التّصوّف الإسلامي تصدّى لتلك المشكلات –الّتي تغافل عنها العلم الطبيعي- وتوسّع في تحليلها وتقديم الأجوبة لها بتفاصيل موسوعيّة ودقيقة ([13]).

من هذه المقارنة السّريعة، يبدو جليًّا عدم وجود أدنى تقارب بين الفيزياء والتّصوّف؛ لا من حيث المنشأ ولا الوسيلة ولا المنهج ولا الغاية ولا غير ذلك. بل إنّ الفلسفة الماديّة ودعاتها من الّذين تبنّوا مناهج عقليّة أصوليّة زعموا أنّ لا وجود لعالمٍ آخر سوى العالم الفيزيائي المادّي، فالمادّة هي الحقيقة الوجوديّة المطلقة وبالعلم فقط وبمنهجه الصّارم يمكن كشف أسرار هذا العالم وسبر أغواره، والاعتقاد بأنّ هناك عالم آخر تصوري وغير منظور هي مجرد هلوسات ذهنيّة لا قيمة لها، ومن زعماء هذا المنهج (كارل ماركس) الّذي قال: «الإنسان، هو عالم البشر، الدّولة، المجتمع. هذه الدّولة وهذا المجتمع ينتجون الدين الذي هو وعي مطلق خاطئ؛ لأنّ أسبابه (الدّولة والمجتمع) هي عالم خاطئ»، وفرويد الّذي قال: «إنّ أديان البشر يجب أن تصنّف باعتبارها وهمًا من أوهام الجماهير» ([14]). ووفقًا لهذه النّظرة الماديّة المحضة تجاه التّصوّف ذهبنا إلى القول إنّ اللاتماثل هو الوصف المناسب بين طبيعة علم الفيزياء وبين علم التّصوّف.

هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنّ ما حَدانا لاختيار هذه المقاربة، هو التغيير الكبير -إن لم يقال الجذري- في مفهومات الفيزياء الحديثة الّتي انقلبت فيها على مفهومات الفيزياء الكلاسيكيّة، ذلك الانقلاب الّذي تمخّض عن نظريّات جديدة، كنظرية: الكم (الكوانتم) بكلّ أضدادها، ونظريّة النّسبيّة وفيزياء الفلك، وانتهى بنتائج علميّة لامست أو كادت تلامس وَفق أكثر من زاوية التصوّرات الّتي سبق أن قالتها الصّوفيّة ونظّر بعضهم لها في مصنّفاتهم العديدة([15]) على مدى يزيد على الأربعة عشر قرن الماضية. ومعنى هذا، أنّه وعلى الرّغم من الاختلافات الأساسيّة –الّتي سبق أن أشرنا لها- بين علم الفيزياء وعلم التّصوّف في كلّ شيء، فإنّ النّاظر بعين فلسفة العلوم يتلمّس وجود حقل معرفي موحد، يشملهما معًا، ما يمنحنا إمكانيّة دراسته للوصول إلى النّظرة المعرفيّة الأشمل الّتي تكون بمنزلة الخلاصة النّاتجة من العلم الطّبيعي (المادّي) والعلم الرّوحي (الصّوفي).

الموضوع هل العالم محدث أم قديم؟
التّصنيف  أ علم التّصوّف – مرتبة الألوهية
ب الفيزياء الكونيّة – مرتبة الطّبيعة
النّوع (ı|ı) تضامر ذاتي لا ذاتي عكوس
المجال (11) [الإلوهية ← الطّبيعة]
القاعدة (1) ع أ ‡ ع ب ← د أ ، دب
التّناسب طردي – بلا
المعطيات ع أ نظريّة الانفجار العظيم، نظريّة الحالة الاستقراريّة
ع ب نظريّة الشّيخ ابن عربي
الصّيغة علم التّصوّف الإسلامي ı|ı الفيزياء الكونيّة←مباحث الطّبيعة المشتركة
التّوقّع لمّا كان التّناسب طرديًّا، فمعلوم أحدهما يكشف مجهول الآخر تكامليًّا في التّضامر، وكما سنبيّن في ثنايا الدّراسة

القضيّة:

هل للعالم بداية (مُحدث) أم ليس له بداية (قديم)؟

هل خُلق العالم أم هو موجود هكذا منذ الأزل؟

إذا كان قد خُلق، فهل خُلق من العدم أم من شيء سابق له؟

أيضًا، إذا كان قد خُلق، فهل خَلق نفسه بنفسه أم يُوجد خالق مغاير له تمامًا قد خلقه؟

فما الأجوبة الّتي توصّل لها كلّ من الفيزياء والتّصوّف؟ وما يُمكن أن تقدّمه نظريّة التّضامر في ضوء العلاقة اللاتماثلية بينهما؟

التّوقّع المفترض:

تضامريًّا يفترض أن تكون الإجابة عن هذا السّؤال، عبارة عن مجموع الاحتمالات التّضامريّة المتلازمة، وبحسب ما يقتضه التّضامر الذّاتي ابتداء، وهي كما مبيّن في الآتي:

الاحتمال 1: إنّ العالم له بداية فهو حادث.

الاحتمال 2: إنّ العالم ليس له بداية فهو قديم.

الاحتمال 3: إنّ العالم له بداية وليس له بداية في الوقتِ نفسه، فهو حادث قديم.

الاحتمال 4: +1

المطلوب:

أوّلاً: معرفة مدى صحّة هذه التوقّعات.

ثانيًا: معرفة الإجابة من حيث علمي الفيزياء الفلكيّة والتّصوّف الإسلامي كلّ على حده.

ثالثًا: معرفة الاجابة من حيث التّضامر بين الفيزياء والتّصوّف.

العمل:

نرمز لاحتمال حدوث الكون بالرّمز: “ح”.

ونرمز لاحتمال قدم الكون بالرّمز: “ق”.

في المجال العلمي:

من النّاحية العلميّة كان كلّ من كوبرنيكوس ونيوتن وغاليلو ([16]) يرون أنّ الكون أبدي ولا بداية له. أي أنّ الإجابة بحسب هؤلاء هي الاحتمال(2).

ولمّا كان أ ı| لا أ ← د    

فإنّ تعويض العَلاقة يُعطينا الصّيغة:

ق ı| لا ق ←د، حيث د: الفيزياء الفلكيّة التقليديّة

ويصحّ (للسّهولة) أن تكتب هذه العلاقة بالشكل: ق ← د ı| لا ق

توضيح هذه العلاقة:

أوّلًا: إنّ نظرة أبديّة العالم أو قدمه (ق) التي قالها بعض قدامى علماء الفلك والفيزياء، يضمر في ذاته لا مثيله، وهو اللاقدم أو اللاأبدية (لا ق).

ثانيًا: إنّ لا قدم العالم أو لا أبديّته (لا ق) لا يعني نقيضه وهو أنّ للعالم بداية أو أنّه حادث (ح)أي (الاحتمال:1) فحسب، بل يضمر معه أيضًا (الاحتمال:3) وهو (ق لا ق) أو (ح لا ح).

بمعنى أنّ: (لا ق) = (ح) + (ق لا ق) أو (ح لا ح) 

ثالثًا: إنّ (لا ق) سوف يفرض نفسه على الواقع العلمي حتمًا إن عاجلًا أو آجلا.

بالفعل، فإنّ نظريّة (قدم العالم) الّتي تذهب إلى إنّ العالم ليس له بداية، بل موجود هكذا منذ الأزل، وأنّه ساكن ومطلق. واجهت بعد تقدّم العلم عدد من التّناقضات أدّت إلى انهيارها ومن تلك التّناقضات:

* إذا كان كلّ شيء ماديًّا يجتذب كلّ شيء ماديًّا آخر –حسب قوانين نيوتن- فلماذا لا يتهاوى الكون كلّه معًا ليصبح كتلة كبيرة واحدة؟

 * واجهت هذه المشكلة نسبيّة أينشتاين أيضًا، ففي معادلته يفترض وجود جاذبيّة وجاذبيّة مُضادة تفعل فعل الدّفع لكي يحصل التّوازن في الكون؛ الأمر الّذي يؤدّي إلى كون ساكن، ولكن تبيّن أنّ فعل الموازنة غير مستقر، بمعنى: أنّ أدنى اضطراب سيؤدّي إلى تغلب إحدى القوّتين المتنافستين على الأخرى، وعندئذٍ إمّا أنّ يتبعثر الكون في هروب مندفع نحو الخارج، وإمّا أنّ يتّجه ليتحطّم في اتّجاه الدّاخل.  

* كان هناك (مفارقة اولبرز) القائلة: «إنّ الكون لو كان أبديًّا؛ لانهمرت أشعّة النّجوم اللّانهائيّة العدد على الأرض دفعة واحدة. وفي هذه الحالة لن نرى عتمة اللّيل أبدًا. والواقع غير ذلك تمامًا ([17]).

* تمّ التّحقّق من أنّ النّجوم تموت بعد أنّ ينضب وقودها، ولا يمكن إعادة تزويدها بالوقود مرّة أخرى، فهي عمليّة اشتعال لا عكوسة، والعالم الفيزيائي يعجّ بالسّيرورات اللاعكوسة، وكما أنّ السّاعة لا يُمكن أن تُحافظ على حركتها إلى الأبد، الكون –أيضًا- لا يُمكن أنّ يظلّ متابعًا مسيرته إلى الأبد دون أن تُعاد تعبئته بالطّاقة، فلو كان أبديًّا، فكيف يُعّوَضُ النّقص فيه أو تعبئته كما في مثال السّاعة؟

* في أواسط القرن التّاسع عشر وبعد وضع قانون الترموديناميك الثّاني، الّذي يسمح بانتقال الحرارة من الجسم الحارّ إلى الجسم البارد تلقائيًّا ولا يسمح بالعكس، فإنّ العلماء استخلصوا نتيجة أنّ العالم ملزم بالسّير في اتّجاه واحد نحو حالة من التّوازن الحراري، وهي حالة تسمى: الموت الحراري، فهو لذلك لن يدوم إلى الأبد، وهذا يعني أنّه ليس أبديًّا أصلًا.

* في عشرينيّات القرن العشرين، اكتشف الفلكيون أنّ العالم ليس ساكنًا كما كان يعتقد روّاد نظريّة أبديّة العالم، بل هو يتوسّع، وأنّ مجرّاته ينفر بعضها من بعض. وهذه الحركة تتناقض مع الأبديّة الّتي تقتضي السّكون، كلّ هذا دفع العلماء للبحث عن تفسير مناسب، ترتفعُ فيه هذه التّناقضات الّتي أخذت تتزايد شيئًا فشيئًا، ووجد العلماء أنفسهم يبحثون عن بديل لتلك النّظريّة، إذ من المنطقي أنّه إذا كانت (ق) متناقضة أنّ يتمّ البحث عن (لا ق).

جاءت نظريّة الانفجار العظيم الّتي رأى العلماء فيها أنّها قادرة على حلحلة تلك التّناقضات، وقد ذهبت تلك النّظريّة إلى القول: «إنّ الكون قد تكوّنَ نتيجة لانفجار ضخم، فظهر بظهوره الفضاء والمكان والزّمان ([18]). على أنّ النّقطة الجوهريّة –الّتي تهمّنا- في هذه النّظريّة هو أنّها افترضت وجود البداية لظهور الكون (لم يكن فكان)، وعلى أساسها انتقلت النّظرة إلى الكون من القدم إلى الحدوث، أي: إلى (الاحتمال:1).

معنى ذلك أنّه تمّ افتراض أنّ: لا ق = ح

ولمّا كان (لا ق) = (ح) + (ح لا ح)

وقد تمكنت نظريّة الانفجار العظيم من رفع التّناقضات الّتي كانت في النّظرة السّابقة، وكما مبيّن في الآتي:  

* إنّ التوسّع في الكون عُدَّ أثرًا من آثار الانفجار.

* كلّ العمليّات العكوسة باتت ممكنة ومفسرة؛ لأنّ الكون ليس أبديًّا، أي يسير باتّجاه واحد من البداية إلى النّهاية.

* حُلَّت مسالة الطّاقة، فالكون كان معبّأ بها لحظة الانفجار وهو يفرّغها باستمرار.

* أمّا عتمة اللّيل فقد فُسِّرت أيضًا على أنّه بسبب توسّع الكون؛ فإن الضّوء لا يصل دفعة واحدة، ولمسافات معيّنة.

* إضافةً إلى أنّ الكون لم يعد مهددًا بالانهيار تحت تأثير الجاذبيّة؛ لأنّ المجرّات يتطاير كلّ منها في اتّجاه.

هكذا، وبفضل نظريّة الانفجار العظيم، تجاوزت نظرة حدوث العالم (ح) المُشكلات الّتي كانت موجودة في نظرة قدمه(ق). وبهذا يُمكن كتابتها بالصورة:

ح ı| لا (ح) ← د  حيثُ إنّ د: نظريّة الانفجار العظيم

وللسّهولة يُمكن كتابتها بالصّيغة:

ح ← د ı| لا (ح)

توضيح هذه العلاقة:

أوّلًا: إنّ نظرة حدوث العالم (ح) تضمر لا مثيلها، وهو اللاحدوث (لا ح).

ثانيًا: إنّ لا حدوث العالم أو لا بدايته (لا ح) يفترض وجود النّقيض، وهو أنّ العالم ليس له بداية (قديم)، وبالتأكيد فإنّ هذا الافتراض لا يرتكزُ على ما سبق نقضه في الفيزياء التقليديّة، بل يرتكزُ على نظرة جديدة لقدم العالم، تتناسب مع التقدّم العلمي الّذي تجاوز مسألة التّناقضات السّابقة.

ثالثًا: إنّ (لا ح) لا يفترض (ق) فقط بل يفترض معه أيضًا (ح لا ح) أو (ق لا ق)

بمعنى أنّ: (لا ح) = (ق) + (ح لا ح) أو (ق لا ق)   

رابعًا: إنّ (لا ح) سوف يفرض نفسه على الواقع العلمي حتمًا إنّ عاجلا أو آجلا؛ ما يعني أنّ التّضامر لا يتوقّع من هذه النّظريّة أنّ تعطي الإجابة المطلوبة كاملة. وقد تبيّن للعلماء بعد ذلك أنّ نظريّة الانفجار العظيم، ومع ما قدّمته من حلول، فقد واجهت بدورها مشكلاتٍ استعصى على العلماء حلّها أو تجاهلها، من قبيل:

* لو نظرنا لها بالعكس، لرأينا أنّ المجرّات والفضاء يتقارب شيئًا فشيئًا حتّى يندمج الجميع في نقطة واحدة. وفي تلك النّقطة لا يعود هناك أهميّة للمكان؛ لأنّ المادّة قد انضغطت إلى درجة الصّفر، وباختفاء المادّة والمكان يختفي كلّ من الفضاء والزّمان أيضًا، لهذا سُمّيت هذه النّقطة بـ (النّقطة الشّاذة).

* لمّا كانت قوانين الفيزياء كلّها، مصوغة بدلالة الزّمان والمكان، فهذه القوانين لم يعد بالإمكان تطبيقها في هذه النّقطة الشّاذة أو ما بعدها. من هنا كان لا بدّ من القول إنّ قوانين الفيزياء تنهار في هذه النّقطة الشّاذة.

* عند هذا الحّد لم يعد بالإمكان السّؤال: أين كانت هذه النقطة؟ لأنّ المكان أصلًا لم يكن موجودًا، وإنّما حدث بعد الانفجار العظيم في تلك النّقطة!

* الّصعوبة ذاتها تواجه السّؤال: ما الّذي حدث قبل الانفجار العظيم؟ والجواب هو؛ لم يكن هناك قبل؛ لأنّ الزّمن نفسه لم يكن موجودًا، وأيضًا وجد في الانفجار العظيم.

إنّ القول بالأصل الشّاذ للكون، أي الأصل الّتي تتعطّل عنده قوانين الفيزياء، أو الّذي لا يمكن تفسيره يستدعي في الذّهن النّظر فيما وراء قوانين الفيزياء، أو ما قبل قوانين الفيزياء، ما يفتح الباب إزاء التّفسيرات الدّينيّة بالولوج، وهو أمر غير مرحّب به عند العلماء؛ وذلك لأنّه وبحسب ما يقول (ستيفن هوكنغ) ([19]): «إذا كانت قوانين العلم تتوقّف عند بداية الكون، أفلا يُمكن –أيضًا- أن تكفّ عن العمل في أوقات أخرى؟ القانون لا يكون قانونًا إذا كان لا يصلح للعمل إلّا أحيانًا. فيجب علينا أن نحاول فهم بدء الكون على أساس العلم. وربّما تكون هذه مهمّة تتجاوز قدراتنا؛ إلاّ أنه ينبغي في الأقل أن نُحاول» ([20]).

 هذا يعني أنّ: نظرة (ح) قد أوصلت العلماء إلى طريق مسدود فباتت غير ممكنة علميًّا؛ لأنّ افتراضها يؤدّي إلى انهيار العلم كلّه، وللخروج من هذا المأزق، حاول العلماء التوصّل إلى نظريّة تتجنّب القول بوجود أصل شاذ للكون، وفي أواخر الأربعينيّات من القرن العشرين، جاء (بوندي و غولد) بنظرية سُمّيت نظريّة: الحالة الاستقرارية، وهي تفترض:

* عدم وجود انفجار عظيم في بدء الكون.

* إنّ المادّة كلها خلقت في لحظة واحدة.

* لأنّ الكون يتمدّد، فهو يحتاج إلى طاقة، وتلك الطّاقة يتزوّد بها من طريق خلقه جسيمات جديدة من المادّة باستمرار بحيث يبقى معدّل الكثافة في الكون ثابتًا.

* قد تموت المجرّات بعد نفاد وقودها لكن مجرّات أُخرى تخلق من المادّة نفسها.

* الأمر أشبه ما يكون بنهر يملأ نفسه على الرّغم من جريانه الدّائم، فالنّهر ليس ساكنًا، وإنّما هو مستقر على ما دأب عليه. يشبه الأمر –أيضًا- ساعة تُعبّئ نفسها بنفسها باستمرار؛ لذلك عرفت هذه النّظريّة بالحالة الاستقراريّة.

* عن كيفية تخلّق المادّة، جاء (هويل) بتفسير مفاده وجود حقل تخليق ينطوي على طاقة سالبة تكافئ الطّاقة الموجبة بكاملها، وقد دعم (هويل) نظريّته بواسطة معادلات رياضيّة تُثبت إمكانيّة التّعويض المطلوبة.

استمرّت النّظريّة لأكثر من عقد من الزّمن تنافس الانفجار العظيم، مستبعدة دفعة واحدة وللأبد كلّ حاجة لأيّ نوع من أنواع التّفسير العلوي (فوق الطّبيعي) للكون. فالكون الّذي لا بداية له لا يحتاجُ إلى حادثة خلق ولا خالق. وهو يُدير نفسه بنفسه بواسطة حقل تخليق فيزيائي، وليس بحاجة إلى تدخل إلهي لكي يحافظ على سيره ونشاطه.

إذن، نظريّة الحالة الاستقراريّة تكرّر أطروحة أنّ العالم ليس له بداية. أي: عدنا إلى القول بما سبق أن نادت به الفيزياء التقليديّة؛ ولكن لمّا كانت هذه العودة تكرّر ما سبق أن تجاوزه العلم، فإنّ هذا التّكرار لا يُماثل الحالة الأولى وذلك بحسب مبدأ (التكرار اللامتماثل) ([21]). لهذا فإنّ التّسلسل يكون كالآتي:

ق ı| لا (ق) ← د       حيث د: الفيزياء التّقليديّة

لا (ق) = ح + (ح لا ح) 

ح ı| لا (ح) ← د       حيثُ إن د: نظريّة الانفجار العظيم

هنا: لا (ح) = ق + (ق لا ق) حيثُ إنّ (ق): تعني التّكرار الأوّل

ولمّا كان التّكرار مقترن باللّانمطيّة (ط) حسب (فرضيّة الحالة اللّانمطيّة) ([22])

فإنّ الصّيغة المذكورة آنفًا يُفترض أن تكتب بالشّكل:

لا (ح) = إمّا (ق) + (ق لا ق) أو (ط) حيثُ ط: رمز الحالة اللانمطيّة  

ومن ثمّ فالعلاقة التّالية تكتب بالصّيغة:

ق ı| لا (ق) ← د       حيثُ د: الحالة الاستقراريّة

معنى ذلك أنّ مفهوم قِدم العالم قد تكرّر؛ ولكن بطريقة تفسيريّة لا تماثل الطّريقة الأولى؛ الأمر الّذي لا يؤدّي إلى حصول تعارض مع أيّ من مصادرات التّضامر ([23]).

على أنّ هذه النّظريّة لم تعطِ إجابات عن عدد مُهمّ من الأسئلة:

* فهي لم تُفسّر لماذا تمتلك الطّبيعة حقولًا ذات شأن (كالحقل التخليقي).

* أو لماذا تمتلك شروط الحالة الاستقراريّة؟

* ثمّ إنّ القول إنّ الكون ليس له بداية في الزّمن، لا يفسّر وجوده.

* ولا يشرح كذلك لماذا كان له هذا الشّكل الّذي نعرفه.

لكن الأمر الّذي أوقف هذه النّظريّة هو توصّلها إلى نتيجة يصعب التّسليم بها علميًّا، فلقد تنبأت تنبئا نوعيًّا خالصًا لا تصحّ إلّا به وهو أنّ الكون يجب أن يبدو وسطيًّا، وهو ذاته في كلّ العهود؛ لأنّه دائم التخليق لنفسه والتّجدد. على حين أثبت التقدّم في مجال الرّصد الفلكي أنّ الأجرام البعيدة جدَّا، لا تبدو كما هي على حالتها الرّاهنة، أي: لم تتجدّد بل هي هي على حالها منذ الماضي الموغل في القدم. وقد أثبتت الأرصاد منذ أواسط السّتينيّات أنّ الكون كان يبدو منذ عدّة بلايين من السّنين مختلفًا جدًّا عن الطّريقة الّتي يبدو عليها الآن، وفي عام(1385هـ/1965م) دقّ آخر مسمار في نعش نظريّة الحالة الاستقرارية، فقد اكتشف وجود اشعاعات حراريّة ذات مواصفات تقديّريه تعود مباشرة إلى تاريخ الانفجار العظيم.

هكذا نجد أنّ من المفترض أن تكون نتيجة التّضامر هي:

لا ق = (ح) + (ح لا ح)

هنا نُلاحظ أن (ح لا ح)، وهي تمثل (الاحتمال:3) في التّضامر، لم يتمّ الإشارة إلى تكرارها، فلم يكتب أنّها (ح لا ح)؛ وذلك لأنّ التّكرار لهذا الاحتمال لم يُفعّل لحدّ الاّن في العلم، فلم تأتَ النّظريّة العلميّة الّتي تستنتجه أو تفسّر ظاهرة بداية العالم من عدم بدايته به، وعلى هذا فهو لم يتكرّر بعد.

 حسب تسلسل التّضامرات، كان يفترض أن يتوصّل العلماء إلى أحد نظريتين:

إمّا نظريّة: مكرّرة لا متماثلة تفسّر أنّ للكون بداية، أي غير نظريّة الانفجار العظيم، وإمّا أنّ تكون نظريّة قائمة على أساس (ح لا ح) أو (ق لا ق) الّتي لم يتطرّق العلم لها لحدّ الآن.

لكن ما حصل كان مختلفًا، حيثُ كشف عن تحوّل لا نمطي في التّضامر (راجع التحوّل اللانمطي)، إذ جاءت نظريّة جديدة تستند إلى (الكوزمولوجيا الكموميّة) المولودة حديثًا، وهي نظريّة (هارتل- هويكنغ) الّتي ذهبت إلى إمكانيّة أن يكون الزّمن محدودًا في الماضي؛ ولكن دون أن يظهر فجأة عند نقطة شاذّة.

كان جوهر المشكلة في الانفجار العظيم -من النّاحية العلميّة- هو أنّه يبدو وكأنّه حادث بلا سبب فيزيائي، ولمّا كانت ميكانيك الكم تضعف الرّابطة بين السّبب والنّتيجة، فقد ارتُكِز على هذا المبدأ للقول بالاحتمال إنّ الكون وجد من لا شيء ولكن ليس من العدم بل كنتيجة للتأرجحات الكموميّة، وبهذا فإنّ قوانين الفيزياء لم تخرق.

بتعبيرٍ آخر: إنّ ظهور العالم التلقائي، من وجهة نظر فيزيائي الكم، أمر غير مفاجئ؛ لأنّ هناك أجسامًا فيزيائيّة تظهر تلقائيًّا في كلّ وقت في العالم الميكروكمومي من دون أسباب محدّدة تمامًا، ولكي يفسّر العاِلم الكمومي خلق العالم، لم يعد بحاجة لأكثر من أنْ يشرح لماذا تتفكّك النّوى النّشيطة إشعاعيًّا حين تتفكّك؛ ولم يعد بحاجة إلى أن يستعين بفعل فوق طبيعي.

 هذه النّظريّة تفترض أنّه لم يكن هناك نقطة شاذّة حصل منها الانفجار العظيم، بل كان هناك حالة كموميّة تشبه تلك الموجودة في الذّرّة، وفي تلك الحالة لا يمكن أن يُقال: «إنّ الزّمن ابتدأ من نقطة محددة، بل كان موجودًا بشكل محدود في الماضي الأزلي»، فلمّا حصل الانفجار، ارتبط الزّمان بالتّدريج مع المكان.

كان الانفجار العظيم يُشبه بالمخروط ذي الترويسة النّقطيّة، فهو يبدأ من نقطة محدّدة ليتوسّع شيئًا فشيئًا، مشابهًا لأيّ انفجار تقليدي، فجاء كلّ من (هارتل) و (هويكنغ) وشبّهاه بالمخروط ذي الترويسة المقوّسة، فالترويسة المقوّسة لا تعطي مجالًا للتنبؤ بنقطة البداية لظهور الكون، إنّها حالة احتماليّة ارتيابيّة تُشبه الاحتمال في فيزياء الكم، وبهذا افترضا عودة تفسير الانفجار العظيم إلى حظيرة التّفسير العلمي، وأبعدا شبح الحالة الشّاذة الّتي تتعطّل فيها قوانين الفيزياء ([24]).

الكون بهذا المعنى ليس له بداية (ق)، ولهذا تغير موقف (هويكنغ) من وجود الخالق فقال: «نستطيع أن نفترض وجود خالق للكون ما دامت له بداية؛ ولكن إذا كان الكون مكتفيًا ذاتيًّا كاملًا، وليس له حدّ أو حافة يبدأ منها، فعندئذٍ ليس له بداية، ولا حتّى نهاية، بل هو موجود فحسب، فما وظيفة الخالق عندئذ؟» ([25]).

كما أشرنا، كان من المفترض أن تكون نتيجة التّضامر هي:

لا (ق) = إما (ح) + (ح لا ح) أو (ط)

أي أنّ تظهر نظريّة تؤيّد أنّ للعالم بداية وأنّه حادث وليس قديمًا؛ ولكن ما ظهر هو نظريّة أثبتت قِدم العالم بواسطة تفسير جديد اعتمد على مبادئ فيزياء الكم.

وهذا يعني أنّ التّضامر يُترجّم بالشّكل:

ط (لا ق) = (ق) + (ق لا ق)

تفسير هذه الصّيغة، هو أنّ التّكرار الأوّل، الّذي يفترضُ أنّ يضمر تكرارًا حول نظريّة الحدوث، قد تحوّل بسبب حالة لا نمطيّة (ط) فأضمر تكرارًا ثانيًا داعمًا لنظريّة القدم على حساب نظريّة الحدوث. وهذا يفترض أنْ تُعاد صياغة المضمر في (ق) لتكون بالشّكل:

لا ق = إما [(ح) + (ح لا ح)] أو [(ق) + (ق لا ق) إذا كان (لا ق) =ط]

أو تكتب اختصارًا:

لا ق = إما [(ح) + (ح لا ح)] أو (ط)

وتكتب مثل هذه الصّيغ بعد التّكرار الأوّل، لأنّ التّكرار يحتمل ظهور الحالة النّمطيّة.

قد تكون هذه النّظريّة قد تخلّصت من مشكلة اللّحظة الّتي ظهر فيها الكون، بما تتضمّنه تلك اللّحظة من شذوذ معطل لجميع القوانين الفيزيائية؛ ولكنّها –في الواقع – لم تستطع أن تفسّر أو تردّ على فرضية الخلق من العدم، فهذا الخلق -بحسب النّظريّة- ينظر له كفعل حدث في زمن كمومي، ولكن من أين جاء ذلك الزّمن الكمومي؟ هل هو أبدي فحسب؟ أم أنّه محدث؟ وإن كان محدثا، فما تفسير حدوثه؟

إن هذه التّساؤلات تستدعي القول بالتّضامر الآتي:

) ı| لا (ق) ← د       حيثُ د: نظريّة يتوقّع التّضامر أن يكتشفها العلم

لا (ق) = إما (ح) + (ح لا ح) أو (ق) + (ق لا ق)

          = إما (ح) + (ح لا ح) أو (ط)

وما يعنيه ذلك، هو أنّ العلم سيكتشف لاحقًا نظريّة يتحقّق فيها أحد الاحتمالات الثّلاثة المبينة في الآتي:

إمّا أن تكون النّظريّة مخالفة لمبدأ قدم العالم، أي: تثبت أنّ له بداية: محدث، وهو الاحتمال الأكثر ترجيحًا. وإمّا أن يتكرّر انكسار التّناظر في التّضامر، فيظهر تحوّل لا نمطي آخر، يعمّق نظريّة اللابداية للعالم قديم لتغطي الجوانب الّتي أغلفتها نظريّة (هارتل–هويكنغ)، وهو الاحتمال الأقلّ ترجيحًا. أو أنّ العلم يصل إلى نظريّة لم يتطرّق لها سابقًا أبدًا، وهي تجمّع احتمالي القدم والحداثة في الوقتِ نفسه، بمعنى: أنّها تفسّر كيف أنّ للعالم بداية وليس له بداية في الوقتِ ذات. وهو احتمال ليس بمستبعد.

ولمّا كان العلم، لم يصل لحدّ الآن –على حدّ علمنا- إلى النّظريّة الّتي تغطّي أحد الاحتمالات الثّلاثة المذكورة آنفًا؛ فإنّنا نجد أنفسنا ملزمين بالانتقال إلى علم التّصوّف لنرى ما يقول في هذا الشّأن، وما الّذي يُمكن أنّ ينكشف من التّضامر الموضوعي مع الفيزياء.

* * *

في المجال الصّوفي:

ما بين القرنين الثّاني عشر والثّالث عشر للميلاد، تمكّن الشّيخ ابن عربي من صياغة نظريّة متكاملة عن الرّؤية الصّوفيّة الأكثر عمقًا في الإسلام، حاول أن يبيَّن بالاعتماد عليها ما يعطيه الكشف الصّوفي في إجابته عن السّؤال: هل العالم محدث أم قديم؟ ويمكن تيسير نظريته في النقّاط الآتية:

أوّلًا: الذّات الإلهيّة تتضمّن الألوهة في باطنها.

ثانيًا: الألوهة تعني: مجموعة من نسب وإضافات لا أعيان لها.

فكما يُقال عن شيء ما أنّه جميل فصفة الجمال نسبة مضافة إلى ذلك الشّيء لا وجود عيني لها كالوجود العيني للجسم مثلًا. الألوهة –أيضًا- نسب وإضافات يطلق عليها ابن عربي مصطلح (الأحكام) ويعني بها أحكام الله تعالى، أيّ: الصّفات والأسماء الّتي لها التحكّم في الموجودات.

ثالثًا: وهذه الأحكام الألوهة لها جانبان: جانب من حيث هي إمكانيّات لم يتح لها الظّهور: كحكم الأبوّة في الذّكر قبل أن يكون له ولد، فهو حكم ممكن أن يحدث وممكن ألا يحدث، وجانب ظهورها في معطىً حسّي مدرك مباشر: كظهور الولد للذّكر حيث يتجسّد الحكم الضمني الباطن ويتحّول إلى حكم واضح ظاهر ومن خلاله تتجسّد أحكام الأبوّة في الابن.

رابعًا: لمّا كانت الذّات الإلهيّة تتضمّن الألوهة في باطنها باعتبارها أحكامًا ضمنيّة؛ فإنّ الألوهة – من حيث هي باطن الذّات الإلهيّة- قديمة، ومن حيث ظهورها وتعلقها بإيجاد الممكنات محدثة.

خامسًا: يخضع العالم لاعتباري الألوهة، فهو مُحدث من حيث الظّهور، وقديم من حيث بطونه في العلم الإلهي (أحد أحكام الألوهة).

إنّ إيجاد العالم إنّما تمّ على أساس علم الله السّابق به، وهو علم قديم وليس حادث ([26])، أي أنّ العالم لم يأتِ من العدم المحض وإنّما خلق من وجود أسبق وهو الوجود في العلم الإلهي القديم. من هنا اكتسب العالم صفة القدم العلمي، وهذه الصّفة هي عين علاقة الرّابطة بين الألوهة والعالم.

سادسًا: بالنّتيجة يصل ابن عربي إلى إثبات حقيقة امتناع حدوث الألوهة بالمعنى الحسّي، وقدم العالم بالمعنى الحسّي، وفي الوقتِ نفسه تتحقّق الصّلة بينهما.

سابعًا: ليس هناك من فارق أساسي بين مرتبة الوجود في العلم ومرتبة الوجود المادّي الظاهر، إذ هما مرتبتان للوجود، أي: أنّ الوجود في العلم الإلهي والوجود العياني الحسّي مرتبتان لحقيقة واحدة هي الوجود ([27]).

إذن، يصحّ أنْ يوصف العالم بالقدم والحداثة معًا؛ ولكن بشرط النّسبة والإضافة، كما يصحّ بالدّرجة نفسها وصفه بالعدم والوجود بالنّسبة والإضافة أيضًا، فقد كان العالم معدومًا نسبة إلى الوجود الحسّي؛ موجودًا نسبة إلى الوجود العلمي، أي معدومًا نسبة لمرتبة ما من مراتب الوجود، موجودًا بالنّسبة لمرتبة أخرى من تلك المراتب. فهو موجود معدوم بالنّسبة والإضافة. ومثل هذا التّقسيم لا يصحّ على الوجود المطلق الحقّ، بل يصحّ على الوجود الإضافي المقيّد فقط وهو العالم ([28]).

ومن جانب آخر: فإنّ ما يراه ابن عربي أنّ العالم حين خلقه الله تعالى، أي نقله من الوجود في مرتبة العلم إلى الوجود في مرتبة الحسّ، لم يكن مشروعًا تمّ وانتهى، أي: لم تكن العمليّة انبثاقًا للوجود من العدم، بما فيه أسباب فاعلة، فهذا يعني الفصل التّام بين الخالق والمخلوق، والحال عند ابن عربي أنّ هناك نسبة ارتباط وتواصل بينهما لا يمكن أن تنقطع.

وانطلاقًا من هذا المبدأ، فابن عربي يرى العالم في حالة تخلّق مستمر، أو كما يسمّيه هو في (خلق جديد)، ومعنى هذا الخلق الجديد هو أنّ العالم وفي كلّ لحظة أو (آن) كما في اصطلاح الصّوفيّة، يفنى ويخلق وذلك على أساس عدم بقاء الأعراض زمانيين متتاليين. هذا التّتالي أو الحركة الدّائمة بين الظّهور والاختفاء يعبّر عنه في التّصوّف بسريان التجليات الإلهيّة في الوجود كسريان الماء الهادئ، فأنت تشاهده فتراه ساكنًا وفي حقيقة الأمر هو متحرّك؛ ولكن تتابع الحركة يعطيك صورة توهم بالثّبات.

لهذا يطلق ابن عربي على جميع ما نراه في الكون اسم (الأعراض الكونيّة) فيقول: «هذه الأمور الّتي خرجت من الغيب إلى الشّهادة، ثمّ انتقلت إلى الغيب، وهي الأعراض الكونيّة، هل هي أمور عينيّة؟ هل هي أحوال لا توصف بالعدم ولا بالوجود؟، ولا تعقل فهي نسب؟ … فذلك هو الغيب الصّحيح الّذي لا يوجد منه شيء فيكون شهادة، وما هو محال فيكون عدمًا محضًا، ولا هو واجب الوجود فيكون وجوده محضًا، ولا هو ممكن فيستوي طرفاه بين الوجود والعدم… وكان إطلاق الغيب عليه أولى من إطلاق الشّهادة لكونه لا عين له يجوز أن تشهد وقتًا ما ([29]).

والواقع أنّ هذه الحقيقة يمكن توضيحها قرآنيًّا وعلميًّا بدلائل كثيرة، ففي القرآن الكريم يقول تعالى: ]وَتَرَى الْجِبَال َتَحْسَبُهَا جَامِدَة ًوَهِي َتَمُرّ ُمَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ[ ([30]) فمنظر السكون لا يعني قطعًا الثّبات، وإذا كان الجبل بحجمه الكبير يتحرّك حركة السّحاب ولا تستشعره حواسنا، فكيف يُمكن لهذه الحواس أنّ تستشعر حركة مكونات الذّرّة بين الوجود والعدم؟ أي لحظة انتقال مكونات الذّرّة من الوجود إلى العدم واستبدالها بغيرها من العدم إلى الوجود؛ لتكمل ما كانت عليه السّابقة لها. والأمر أشبه ما يكون بصناعة الأفلام كما هو معروف، فليست الأفلام إلّا لقطات متتابعة (فريمات) تُعرض بسرعة فنرى وكأنّ صورة الجسم واحدة في سكونها وحركتها، وحقيقة الأمر أنّ عددًا كبيرًا من الصّور تتجدّد في الظّهور على الشّاشة دون أنّ نشعر، ونحسب أنّنا نُشاهد الصّورة ذاتها. مع تقدّم العلم ووصوله إلى الصّور الموجيّة ثمّ الرّقميّة زادت السّرعة والدّقة في إظهار الصّور بأدق تفاصيلها. أو مثاله كالمصباح الموقود كما يذكر بعض الصّوفية «وذلك أنّ المصباح الموقود، أو الشّمعة الموقودة أيضًا، يضيئان في كلّ طرفة عين، من زيت وشمع غير الزّيت والشّمع الأوّل، بلا شك في ذلك أصلًا؛ ولكن مادتهما مديدة في الحسّ لا في حقيقة الأمر، إذ كلّ شيء لانهاية لأطواره عندنا، والفيض متوارد عليه دنيا وأخرى» ([31]). فالخلق الجديد «هو الّذي لا انقطاع له أبدًا لا دنيا ولا آخرة. فالموجودات بأسرها، ظاهرها وباطنها، عرضها وجوهرها، لا يبقى زمانان، بل زمن وجودها هو زمن عدمها: يعني الوجود الاعتباري، والعدم الاعتباري، لا من حيث الوجود الحقيقي؛ لأنهّا حقائق ظاهرة في مرتبة بحسبها» ([32]).

هذه خلاصة نظرة ابن عربي لمسألة نشأة العالم وبقائه، ويمكن تلخيصها بالنّقاط الآتية:

أوّلًا: العالم قديم من حيث وجوده العلمي، ومحدث من حيث وجوده الحسّي.

ثانيًا: العالم في عمليّة تخليق مستمرّة ومتجدّدة فهو غير منقطع عن خالقه.

ثالثًا: العالم نشأ بفعل خالق لا تنطبق عليه قوانين ونظريّات الفيزياء التقليديّة أو الحديثة ما لم تُعدّل أو تُغيّر.

من هنا تقرأ هذه النّتائج وفقًا التّضامر كما يأتي:

إنّ الاحتمال (ح لا ح) وأيضًا (ق لا ق) الّذي لم نستطع أن نقرأه أثناء قراءاتنا للنّظريّات الفيزيائيّة وذلك لعدم وجود نظريّات علميّة تدلّ عليه، قد وجد فعلًا في النّظرة الصّوفيّة الّتي دلّت عليه بوضوح وجلاء. وعلى هذا يصح القول:

إنّ (لا ح) = (ق) في الفيزياء + (ق لا ق) في التّصوّف

وإنّ (لا ق) = (ح) في الفيزياء + (ح لا ح) في التّصوّف

* * *

والآن، لو استحضرنا توقعات التّضامر المفترضة للسّؤال عن نشأة العالم، لرأينا أنّها كانت ثلاثة، وهي:

الاحتمال 1: إنّ العالم له بداية فهو حادث

الاحتمال 2: إنّ العالم ليس له بداية في قديم

الاحتمال 3: إنّ العالم له بداية وليس له بداية في الوقتِ نفسه، فهو حادث قديم.  

وقد رأينا أنّ الفيزياء لم تخرج عن دائرة التقلّب بين الاحتمالين الأوّل والثّاني، وأمّا التّصوّف فقد توقّف عند الاحتمال الثّالث؛ الأمر الّذي يدلّ على اجتماع كلّ من الفيزياء والتصوّف من حيث هذا السّؤال في التّضامر. من هنا يُمكن قراءة العلاقة التّضامرية بينهما بالشكل الآتي:

(ق) + (ح) ← الفيزياء ı|ı ( ق لا ق) أو (ح لا ح) ← التّصوّف 

والواضح في صياغة هذه العلاقة أنّها تقول: إنّه تضامر موضوعي تكميلي؛ لأنّه بين علمين مختلفين، لذا يمكن إعادة صياغة العلاقة السّابقة بالشّكل:

نشأة الكون = (ح) + (ق) + (ح × ق) 

حيثُ إنّ: (ح × ق) = (ح لا ح) أو (ق لا ق)

ومعنى هذه النّتيجة هو الآتي:

إنّ الفيزياء لا يمكن أن تعطي الاحتمالات الثّلاثة كاملة؛ لأنّ قوانينها –الحالية- تعجز عن توقّع وجود الاحتمال الثّالث، وأنّ التّصوّف متمّسك بالاحتمال الثّالث فقط؛ لكونه لا يؤمن بالفصل التّام بين الوحدة والكثرة، بل يؤمن بالوحدة المتكثرة أو الكثرة المتوحّدة. وأمّا في التّضامر، فإنّ الاحتمالات الثّلاثة يمكن ان تجتمع ليكمل بعضها بعضًا.

النّتائج النّهائيّة:

أوّلًا: ثبت صحّة التّلازم بين الاحتمالات الثّلاثة (وهو المطلوب الأوّل).

ثانيًا: تبيّن أنّ الاحتمالين الأوّل والثّاني يتمّم أحدهما الآخر في الفيزياء، بمعنى أنّهما وجهان متعاقبان في الظهور لتفسير الواقع نفسه، ولا أرجحيّة لأحدهما على الأخر (وهو المطلوب الثاني).

ثالثًا: تبيّن أنّ التّضامر بين الفيزياء والتّصوّف في هذه المسالة يؤدّي إلى حالة تكميل التّصوّف للفيزياء وليس العكس، حيث تجتمع الاحتمالات الثلاثة معًا. (وهو المطلوب الثّالث).

التّوقّعات والتّفسيرات:

ممّا يترشّح عن التّضامر التكميلي التوقّعات الآتية:

أوّلًا: التّوقّع بأنّ الفيزياء، لن تتوقّف عند حدود المراوحة بين الاحتمالين الأوّل والثّاني، بل إنّ قفزة نوعيّة أو ثورة علميّة مستقبليّة، ستفتح أبواب مرحلة جديدة في الفيزياء وقد نسميها بمرحلة (الفيزياء ما بعد الحديثة) أو (الفيزياء الميتاحديثة). ستؤدّي هذه الثّورة إلى إعادة النّظر في المسلّمات الحاليّة كافّة؛ ما يجعل النّظريات العلميّة قابلة لأن تتوقّع الاحتمال الثّالث، دون أن يؤدّي ذلك إلى تعطيل قوانين الفيزياء حينها.

ثانيًا: إنّ قوانين (الفيزياء الميتاحديثة) لا تتعارض مع وجود الخالق، بل هي تفترض وجوده في معادلاتها الريّاضيّة كضرورة، وإلاّ فإنّ التّناقضات تظهر ظهورًا يربك التّماسك النّظري.

ثالثًا: من المتوقّع أن توضع نظريّة تذهب إلى أنّ العالم أبدي ولا أبدي في الوقتِ نفسه.

رابعًا: من المتوقّع أن تفسّر تلك النّظريّة العلاقة بين العالم الفيزيائي والعالم الغيبي، بأنّها علاقة “تواصل فائق”.

خامسًا: يُمكن للتّضامر أنْ يُعطينا إجابة –ولو تقريبيّة- للسّؤال الآتي: هل ظهر العالم من الوجود العلمي إلى الوجود الحسّي دفعة واحدة أم بالتّدريج أم ماذا؟

إنّ علاقة التّضامر التّكميليّة تتوقّع أنّ العالم في مرتبته الحسيّة، أي الفضاء والمكان والزّمان بما فيه من مجرّات ونجوم وأفلاك. لم يخلق على ما هو عليه الآن دفعة واحدة، بل لقد ظهر المكوَّن الأول له ـ بغضّ النّظر عن طبيعة ذلك المكوَّن سواء أكانت جسيمات دو ذرية أم أوتار فائقة أم شيء آخرـ  وهو مكوِّن فيه القابلية لإضمار كلّ ما ظهر أو سيظهر لاحقًا. ومن ثمّ تتابعت عمليّة بنائه مّما هو مضمر فيه، ولا يزال يتوسّع شيئا فشيئا. وبتعبير آخر: إنّ الأصل المكوِّن للكون قد ظهر من الوجود العلمي إلى الوجود الحسّي دفعة واحدة، ثم حصل الأمر الّذي تكوّنت منه أنواع المادّة المختلفة –الحسيّة والمضادة والظليّة واللاظلية الّتي لم تكتشف بعد- والطّاقة.

إنّ ما ظهر أوّل مرّة هو الحالة الأولية لشيئين متمايزين عن بعضهما تمامًا؛ ولكنهما متضامران تضامرًا يجعل منهما وكأنّهما شيء واحد. والخواص الفيزيائية لتلك الحالة، هي الجمع بين النّمطية الّتي تقتضي التّسلسل أو التّتابع أو الدّور المتكرّر وبين اللانمطية الّتي تقتضي الطّفرات أو القفزات بين السّلاسل المتتابعة أو المنتجة لسلاسل جديدة. وقد ظهرت آثار هذه الخواص الفيزيائيّة الأوليّة فيما نراه في العالم من نظام ولا نظام، ومن تسلسلات وطفرات، ومن تشابهات واختلافات…إلخ. وهذا من الأمور الّتي لمست فيه الفيزياء الحاليّة بعض خيوطه أو لمساته الأولى، حين اكتشفوا مسألة انكسار التّناظر، والتّناظر الفائق، ونظريّة الفوضى، وغير ذلك.

سادسًا: هذا التّضامر يفسّر النّفي التّام لمفهوم العدم المحض، إذ كلا من الفيزياء الحديثة والتصوّف الإسلامي، يتفقان على استحالته «فهذا العالم لم يخرج من العدم أبدًا، وإنّما تنقل في أطواره» ([33]) على حدّ تعبير الشّيخ الصّوفي عبد الغني النّابلسي، وما يعنيه في قوله هذا -كما استنتجت الدّكتورة نظلة الجبوري- أنّ: «العالم (الكون) إذا نظر إليه من حيث هو موجود يعدّ خيالًا لا حقيقة له؛ ولكنّه لا يعدّ باطلًا في نفسه وإنّما يعدّ باطلًا بالنّسبة لله. بمعنى لا وجود للعالم في غير وجود الله. وإذا نظر إليه بدلالة الزّمان يعد قديمًا كون تعلّق العلم الإلهي به وهو قديم، فالعالم قديم» ([34])، وهو استنتاج نراه في محلّه. فلا عدم محض، وإنّما وجود واحد في مرتبتين متمايزتين، متواصلتين تواصلًا فائقًا، وقد تخصّصت الفيزياء في جانبه الحسّي، على حين تخصّص التّصوّف الإسلامي في جانبها ما وراء الحسّي: (الغيبي).

بتعبيرٍ آخر: إنّ وجود إله يبعث العالم إلى الوجود من عدم محض، لا يمكن، كما يلحّ العلماء أن تكون مقبولة؛ ولكن يُمكن إنّ تجد مجالًا للقبول إن كانت عمليّة البعث تتمّ من وجود أسبق ذي مواصفات فائقيّة كتلك الّتي يشير إليها الصّوفيّة.

سابعًا: قد يكون تدخّل الخالق من طريق الخلق الجديد مفسّرًا لجزئيّة الحقل التخليقي الّذي اقترحته نظريّة الحالة الاستقراريّة؛ ولكن من زاوية أخرى، خاصّة وأن بعض العلماء –مثل ديفيز- يرون أنّ: «عدم التّسليم بالنظّرية الاستقراريّة، لا يعني بالتّأكيد، أنّ تخلّق المادّة المستمر أمر مستحيل»([35]). فقد جعل الحقل التخليقي الكون يعيد تخليق نفسه بذاته، أمّا الخلق الجديد فإنّ الكون يُعيد تخليق نفسه بغيره.

ثامنًا: في التّضامر يُمكن تفسير الرّأي العلمي الّذي يذهب إليه كوزمولوجيوا العلم الحديث، والقائل: «لم يعد على المرء أن يفكّر بالزّمكان (أو العالم) بأنّه ظهر إلى الوجود بطريقة ما، والأصحّ أن يقول المرء: إن الزمكان موجود وحسب». إذ إنّ التّصوّف يرى أيضًا أنّ العالم موجود فحسب؛ ولكن في مرتبتين –كما أسلفنا- وعلى هذا فاللحظات كلّها لها العلاقة نفسها مع الخالق، سواء أكانت كلّها موجودة كواقع خام، أم أنّها كلّها على السّواء قد خلقت.


[1]– بالعربية تسمّى علم الطّبائع؛ وتسمّى أحيانًا الفيزيقا. انظر: مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة، مجموعة المصطلحات العلميّة والفنيّة، المجلد الثّاني والأربعون، (1422هـ/2002م).

[2]– ريتشارد فاينمان فيR. P. Feynman، R. B. Leighton، M. Sands (1963)، The Feynman Lectures on Physics، ISBN 0-201-02116-1

[3]– صوفيّة/ متصوّفة: جماعة من المتزهدين السّالكين طريقة تعتمد الزّهد والتقشّف والتحلّي بالفضائل لتزكوَ النّفس وتتمكّن من الاتصّال بالله تعالى. انظر: المعجم العربي الأساسي، ص 757.

والصّوفي كما يقول الشّيخ عبد القادر الجيلاني “قدس سره”: «هو من صفا باطنه وظاهره بمتابعة كتاب الله وسنة رسوله، فكلّما ازداد صفاؤه خرج من بحر وجوده، ويترك إرادته واختياره ومشيئته من صفاء قلبه». انظر: الشّيخ عبد القادر الكيلاني، الفتح الرّباني والفيض الرّحماني، ص 256.

[4]– “التّصوّف هو علم معرفة ألله سبحانه وتعالى”. انظر: موسوعة الكسنزان، ج13 ص424.

[5] – طه عبد الباقي سرور، الشّعراني والتّصوّف الإسلامي، دار نهضة مصر للطباعة والنّشر، القاهرة، (1401هـ/ 1981م)، ص 25.

[6]– الكسبي، هو العلم الّذي يكتسبه الإنسان من طريق النّظر العقلي أو التّجربة أو التعلّم من غيره، فهو ما تتداوله عقول الوسائط، وتتناقله أفهام الرّواة. للمزيد انظر: الشّيخ عبد الغني النّابلسي، مخطوطة خمرة الحان ورنَّة الألحان في شرح رسالة الشّيخ رسلان، مخطوط مكتبة جامعة الملك سعود، قسم المخطوطات، برقم(6297)، (1299هـ/ 1882م)، ص 51 – 52.

وفي الاصطلاح الصّوفي: الكسبي أو المكتسب هو الفعل بقوّة محدثة، لجر ّمنفعة، أو دفع مضرة. انظر: الشّيخ أبو بكر الكلاباذي، التعرّف إلى مذهب أهل التّصوّف، حقّقه وعلق وعرف بإعلامه وقدم له: د. عبد الحليم محمود، طه عبد الباقي سرور، لجنة نشر التراث الصّوفي، القاهرة، (1380هـ/ 1960م)، ص 48.

[7]– التراكميّة: من سمات العلم، حيثُ يتكوّن من نظريّات متلاحقة يلغي الجديد القديم منها، أو أنّ النّظريّة الجديدة توسع القديمة وتكشف عن أبعاد أخرى لم تستطع النّظريّة القديمة أن تفسّرها أو أن تعمل لها حسابًا، فمعنى التّراكم هو أنّ القديم يصبح متضّمنًا في الجديد انظر: د. فؤاد زكريا، التفكير العلمي، سلسلة عالم المعرفة، العدد 3، الكويت، (1398هـ/1978م)، ص17.

[8]– للمزيد انظر: د. نازلي إسماعيل حسين، تقديمها للترجمة العربيّة الّتي قدّمتها لكتاب إدموند هوسول، تأمّلات ديكارتيّه-المدخل إلى الظاهريّات، القاهرة دار المعارف، (1390هـ/1970م)، ص5. د. حسين علي، فلسفة العلم المعاصر ومفهوم الاحتمال، الدّار المصريّة السّعوديّة للطّباعة والنّشر والتّوزيع، القاهرة، (1426هـ/2005م)، ص20.

[9]– العلم الوهبي عند الصّوفيّة هو العلم اللدني و«يُراد به العلم الحاصل من غير كسب ولا تعمل للعبد فيه، سُمّي لدنيا لكونه إنّما يحصل من لدن ربّنا لا من كسبنا». الشّيخ كمال الدّين القاشاني، لطائف الأعلام في إشارات أهل الإلهام، ص422.

[10]– يرى الصّوفيّة «أنّ علم التّصوّف هو أكبر العلوم؛ لأنّ كلّ العلوم محدودة في إطارها إلّا ا لتّصوّف فإنّه مفتوح على كلّ العلوم وذلك لأنّه يتعلّق بروح الأشياء أو العلوم، والأمور الرّوحية كلية منفتحة على بعضها بعضها وغير مقيّدة كما الأمور الماديّة المحدودة؛ ولهذا فهو أكبر العلوم وهو علم العلوم». انظر: الشّيخ محمد الكسنزان، موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه أهل التّصوّف والعرفان، دار المحبة ودار آية، بيروت، (1426هـ/ 2005م)، ج13 ص422.

[11]– القلب عند الصّوفيّة هو لطيفة ربانيّة أو جوهر نوراني أودعها لله تعالى في المضغة اللّحميّة المعلقة في الجانب الأيسر من الصّدر، هو أداة المعرفة عندهم لأنّهم حلا لكشف والإلهام. انظر: الشّيخ كمال الدّين القاشاني، معجم اصطلاحات الصّوفيّة، تحقيق وتقديم وتعليق: د. عبد العال شاهين، دار المنار، القاهرة، ط1، (1413هـ/ 1992م)، ص 145. الشّريف الجرجاني، التّعريفات، ص186 – 187. الإمام الغزالي، معارج القدس في مدارج معرفة النّفس، ص 23. الشّيخ ابن عطاء الله السّكندري، تاج العروس الحاوي على تهذيب النّفوس، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، (1367هـ/1948م)، ص 17.

[12]– للمزيد انظر مثلًا: د. محمد فتحي الشّنيطي، المعرفة، ص 20.

[13]– انظر مثلًا: الفتوحات المكيّة، ابن عربي، مصدر سابق. الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر، الشّيخ عبد الكريم الجيلي، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده، مصر. هياكل النّور، السّهروري الإشراقي، قدّم وحقّق نصوصه مع تعليقات: د. محمدعلي أبو ريان، دار النّهضة العربيّة، بيروت، ط2. موسوعة الكسنزان، مصدر سابق.

[14]– انظر: مقال طبيعة العلاقة بين العلم والدّين…وجهات نظر، أشرف البطران، الحوار المتمدّن – العدد: 2999 –(1367هـ/2010م)، انترنت.

[15]– كالشيّخ ابن عربي في الفتوحات المكيّة، مصدر سابق. وفصوص الحكم، أبو العلا عفيفي، مكتبة دار الثّقافة، نينوى، ط2، 1989. وشجرة الكون، ضبطه وحقّقه: رياض العبد الله، بيروت، ط2، 1985. وإنشاء الدّوائر، مصدر سابق، وغيرها، وكالشّيخ ابن سبعين، الوحدة المطلقة، منشورات وزارة الثّقافة والإعلام، الجمهوريّة العراقيّة، دار الرّشيد للنّشر، 1981م. والشّيخ السّهروردي المقتول في هياكل النّور، مصدر سابق. والشّيخ عبد الكريم الجيلي في الإنسان الكامل، مصدر سابق… إلخ. 

[16]– جاليلي، جاليليو، (1564م-1642م)، عالِم فلكي وفيلسوف وفيزيائي إيطالي، ولد في بيزا في إيطاليا. نشر نظريّة كوبرنيكوس ودافع عنها بقوّة على أسس فيزيائيّة، فأثبتَ أوّلًا خطأ نظريّة أرسطو حول الحركة، صنع عدّة تلسكوبات، واكتشف أقمار المشتري، ولاحظ كلف الشّمس وطبيعة القمر الجبليّة وغيرها من الانجازات. انظر: منير البعلبكي، معجم أعلام المورد، ص294. موسوعة ويكيبيديا، إنترنت.  

[17]– انظر: ستيفن هويكنغ، الكون في قشرة جوز (شكل جديد للكون)، ترجمة: د. مصطفى إبراهيم فهمي، سلسلة عالم المعرفة، العدد 209، 2003، ص72 – 74.

[18]– انظر: المصدر السّابق، ص75

[19]– هوكينج، ستيفن، ولد في أكسفورد، إنجلترا عام(1942م) وهو من أبرز علماء الفيزياء النّظريّة على مستوى العالم، درس في جامعة أكسفورد وحصل منها على درجة الشّرف الأولى في الفيزياء، أكمل دراسته في جامعة كامبريدج للحصول على الّدكتوراه في علم الكون، له أبحاث نظريّة في علم الكون وأبحاث في العلاقة بين الثّقوب السّوداء والدّيناميكا الحراريّة، وله دراسات في التّسلسل الزّمني. انظر: الموقع الرّسمي لستيفن كونغ www.hawking.org.uk. وأيضًا: موسوعة ويكيبيديا، إنترنت.

[20]– المصدر السّابق، ص76.

[21]– التّكرار اللامتماثل هو الافتراض الثّاني من افتراضات نظريّة التّضامر، وهو ينصّ على أن: [إذا تكرّرت علاقة التّضامر بدلالة أخرى، فإن ّالعَلاقة المكرّرة لا تماثل العَلاقة الأولى]. للمزيد راجع القسم الثّاني -الفصل الثّالث.

[22] – الحالة اللانمطيّة هي الافتراض الثّالث من افتراضات نظريّة التّضامر وهو ينصّ على أنّ [كُلّ تضّامر قابل للتكرار اللامتماثل، يحتمل ظهور التحوّل اللانمطي]. للمزيد راجع: القسم الثّاني -الفصل الثّالث.

[23]– الشّيء المحّير أنّ بعض اللاهوتيين رحّبوا بهذه النّظريّة على اعتبار أنّها طريقة العمل الّتي يخلق بها الإله الأشياء، على الرّغم من جاذبيّتها للملحدين.

[24]– انظر: المصدر السّابق، ص82 والّتي تليها.

[25]– الله والعقل والكون، مصدر سابق، ص69.

[26] -انظر: ابن عربي، إنشاء الدّوائر، اعتنى به: د. عاصم إبراهيم الكيالي، ص 6-7.

[27]– ومن زاوية أخرى يفرق ابن عربي بين مرتبتين للوجود هما: الوجود المطلق وهو وجود الذّات، والوجود المقيّد وهو الوجود العياني الحسّي للعالم. والفارق بينهما أنّ الوجود المطلق هو الوجود الحقّ، منبع كلّ وجود، وهو النّور الّذي يسطع على الممكنات، فيخرجها من حيز العدم الإمكاني إلى حيز الوجود الفعلي.

[28] – انظر: ابن عربي، إنشاء الدّوائر، ص 7.

[29] – الفتوحات المكيّة، مصدر سابق، ج 3 ص 79.

[30]– سورة النّمل، آية: 88.

[31] – محمود أبو الشّامات اليشرطي، الإلهامات الإلهية على الوظيفة الشّاذلية اليشرطية، ط 3، 1400هـ، ص 22.

[32] – المصدر نفسه، ص 21.

[33] – عبد القادر أحمد عطا، التّصوّف الإسلامي بين الأصالة والاقتباس، دار الجيل، بيروت، ط1، (1407هـ/ 1987م)، ص359.

[34] – د. نظلة الجبوري، خصائص التّجربة الصّوفيّة في الإسلام، دراسات ونقد، بيت الحكمة، بغداد، سنة (1422هـ/2001م)، ص 351 –352.

[35]– الله والعقل والكون، مصدر سابق، ص 58

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *