الزمان شيء مادي.. حقا؟!

هل الزمان (مفهوم عقلي) كما يرى الفيلسوف الكبير كانط؟ أم هو مجرد حالة نفسية تسمى (الزمن الوجودي) والتي فيها ساعة بقرب الحبيب دقيقة، ودقيقة بانتظار الطبيب ساعة ؟ أم هو لا هذه ولا تلك، بل مجرد تجريد وهمي لربط الحركة الاحداث؟
لا شك ان الاراء عديدة ومتباينة بشأن هذا الشيء الذي يستحق ان يوصف بالسهل الممتنع بامتياز. غير ان فرضية ان الزمان شيء مادي والتي تقترحها نسبية اينشتاين من اشد الاراء التي قد تسبب الارباك في الفهم!

————
كل من لديه ادنى اطلاع على نسبية اينشتاين يسمع انه اضاف الزمان كبعد رابع بالاضافة الى الابعاد المكانية الثلاثة المعروفة (الطول والعرض والارتفاع او العمق).
وعنصر الغرابة يتمحور حول الفرق بين إمكانية رؤية الابعاد الثلاثة وكونها مشخصة في الخارج الفيزيائي بينما لا نستطيع ان نرى بُعد الزمان مثلها! فكيف يكون الزمان ماديا مثلها؟!
————
حسنا.. ما قدمه لنا اينشتاين هو مراجعة لفكرة الفصل بين الزمان والمكان.
اننا نفترض ان الزمان بُعد منفصل عن ابعاد المكان وبالتالي يجب رؤيته مشخصا في الخارج مثلها، بينما ذهب اينشتاين الى ان الزمان بُعد رابع غير منفصل عن المكان.. كيف!
تخيل الاتي..
تخيل ان كل شيء في الكون، واعني كل شيء على الاطلاق قد توقف عن الحركة كليا، حتى الذرات توقفت عن الحركة.. بل تخيل حتى عقلك توقف عن الحركة.. تخيل ذلك..
هل سيبقى للزمان من معنى؟
فقط تخيل ان كل شيء جمد جمودا مطلقا.. هل يبقى للزمان من وجود؟
فيزيائيا.. هذه حالة سينفصل فيها الزمان عن المكان.. يعني سوف يكون هذا العالم الجامد مكان بلا زمان.. لماذا؟ لأن الزمان ينبعث من حركة المكان (بما فيه من اشياء). يعني توجد حركة يوجد زمن، والعكس بالعكس.
———–
يوصلنا التخيل السابق الى ان الزمان غير منفصل عن الحركة، التي هي غير منفصلة عن الاشياء المادية، التي هي غير منفصلة عن المكان، وبالنتيجة: الزمان غير منفصل عن المكان. وبعبارة اخرى: المكان والزمان وجهان لحقيقة واحدة.
يعني: رؤية الاشياء المادية وحركتها كأنه رؤية للزمان الذي يعطي لتلك الحركة القيمة التي تحدد موضعها بين الاشياء الاخرى.
افصل الزمان عن حركة الاشياء (التي لا تتوقف عن الحركة ابدا) ولسوف تفقد الحركة معناها، فيفقد المكان بابعاده الثلاثة معناه ايضا.
———-
الفكرة هذه ترسم الزمان على انه موجود ظلي منعكس من الابعاد الثلاثة، قد لا نراه بصورة مباشرة او حسية، لكن أثره قائم في الواقع المادي مثل العديد من الاشياء في الطبيعة التي تؤثر فينا ولا نستطيع ان ندركها بحواسنا كالجاذبية مثلا، نشعر باثرها ونعي وجودها وان كنا لا نستطيع ان نراها هي بنفسها بصورة مباشرة (بالعين او بالاجهزة).
———
هكذا رسمت الفيزياء مادية الزمان، وهو رسم ليس من شأنه ان يلغي التصورات الأخرى عن الزمان، اعني التصور الذي يذهب فيها البعض الى عدّه وهما، ولا يلغي التصور النفسي له ولا غيرها من التصورات الأخرى، إنما هو التصور الذي يتعامل العلم معه، وهو ناجح -لحد الان- بصورة مذهلة..
الحقيقة.. موضوع الزمان مذهل في جميع التصورات.. اسعدتهم اوقاتا.


* من منشورات الفيسبوك بتاريخ 17 ديسمبر 2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *