مراتب التّضامر

مراتب التّضامر

مراتب التّضامر: هي بمنزلة تصنيف اعتباري، يبتغي قراءة الوجود والمعرفة، بالاعتماد على المنظور التضامري، وتيسير الاستفادة من مبادئه وقوانينه. وكما مبين في أدناه:  

مرتبة الإنسان

(1) ننطلق في فمهنا الأبستمولوجي (المعرفي) من نقطة مركزيّة الإنسان، لا بمعناها الكلاسيكي الّذي يجعله المبدأً الّذي خلق كلّ شيء لأجله، بل من منطلق أنّنا لو لم نكن موجودين، أو لو أنّنا وُجدنا بغير هذه الكينونة الّتي نحنُ عليها، لما كان للوجود الحالي من معنى إنساني، أو لم يكن معناه بالّذي نعيه الآن. لا أقول: لو لم نكن لما كان الوجود، إذ الوجود-بمعنى الكون-موجود قبل وجودنا بمليارات السّنين على ما تقرّر لدى العلماء وَفْقَ حساباتهم بالاستناد إلى نظريّة الانفجار العظيم؛ لكنّي أقول: لو لم يكن الإنسان موجودًا وبهذه الكيفيّة لما كان المعنى الإنساني موجودًا أو لكان موجودًا ولكن بغير ما هو عليه الآن.

الإنسان هو من يبحثُ عن المعرفة؛ ولهذا فهو نقطة الانطلاق في هذا المضمار، ومن الواضح هنا أنّنا لا نرمي من وراء هذه المركزيّة إلى الإشارة إلى ميزة تشريفيّة للإنسان بقدر ما نبتغي بيان سبب مركزيّته في الهيكليّة النّظرية لهذه الفلسفة.

(2) يتكوّن مفهوم الإنسان عندنا من التّلازم بين حالات ثلاث:

الأولى: الإنسان كمفهوم للإنسانيّة.

الثّانية: الإنسان كنوع ذي جنسين.

الثّالثة: الإنسان كفردٍ قائم بذاته.

في الحالة الأولى الإنسان هو الإنسانيّة بمفهومها الماهوي المثالي الميتافيزيقي المتوحّد، وفي الثّانية بمفهومها الواقعي المتشخّص الفيزيائي المتعدّد، على حين هو في الثّالثة الفرد النّسبي المتميّز عن غيره من أبناء جنسه. في هذا يبدو واضحًا أنّنا نُزاوج بين المثاليّة المطلقة، وبين الواقعيّة اللّانهائيّة، وبين التفرّد النّسبوي. فالفرد الإنساني في فهمنا هو ما يتصف بكونه: متفرّدًا من حيث التّكوين الشّخصي، لا نهائي من حيثُ اجتماعه مع أبناء جنسه، ومطلق من حيث المفهوم العقلي؛ ولأجل ذلك عُدَّ الإنسان مرتبة متميّزة قائمة بذاتها. 

(3) لكون الإنسان يتضمّن في كينونته الأبعاد المذكورة في مفهومه، فإنّ له تعلّقات متعددة؛ تعلق بالماورائيّات وتعلّق بالماديّات وتعلّق بالعقليّات، والنّاس كأفراد لهم مواقف مختلفة من هذه التعلّقات، ولا يقدح في ذلك إنكار بعضهم لهذه أو تلك، فالتّناكر يدور ضمن المجمل العام لوجد تلك التعلّقات.

مرتبة الألوهيّة

(1) يأتي في مقدّم الماورائيّات الإيمان بوجود الإله، وهذا الإيمان اتّخذ صورًا وأشكال لا حدّ لها ولا عد. ما بين مؤمن بألوهيّة الكواكب والحيوانات والبشر والأحجار والأشجار، …إلخ، ومؤمن بآلهة مؤنسنة أو إله واحد غير مؤنسن (مطلق التنزيه)… يجتمع هؤلاء كلهم من أوّل الإنسانيّة إلى آخرها في نموذج معرفي متشارك في مضمونه وهو: أنّ هناك خالقَ مفارق يجب أن يُقدّس، بصرف النّظر عن تصوّرات المؤمنين لذلك الخالق؛ إذ في النّهاية ليست الحيوانات أو الأشجار أو الجمادات أو حتّى التصوّرات المجرّدة الّتي يعدّها النّاس على اختلافهم آلهة، إلّا صور غير مقصودة لذاتها بقدر ما يُراد التوصّل بها إلى ما ورائها، ـ«فكلّ صورة أو معبود عُبِدَ، هو مجلى من المجالي الإلهيّة، عَلِمَ العابد ذلك أم لم يعلمه… فمن عبد شجرة أو نجمًا أو صنمًا فهو في الحقيقة لم يعبد سوى الله في مجلى من مجاليه»([1])؛ لذا فنحن حين نقول الألوهيّة فإنّنا نريد بذلك كلّ ما توجّه إليه الإنسان ليقدّسه على أنّه إله، أيّ كلّ ما دخل في دائرة المعرفة الإنسانيّة من معبودات.

(2) مع ما يظهر من كثرة كاثرة من آلهة لم يزلْ الإنسان يعبدها ويتقرّب إليها زلفى؛ فإنّ مفهومنا للمرتبة يرتقي وراء هذه الاعتقادات المتفرّقة ليصل إلى فكرة: أنّ جميع تلك المعتقدات متضامرة. ومثلها -إن شئنا- التّشبيه كمثل استقاء جميع النّاس إنسانيّتهم من الإنسانيّة ذاتها؛ مع ما يوجد من تفاوت في إنسانيّة أيّ فرد عن سواه. فالألوهيّة كمرتبة تقرّرت لدينا كما تقررت لدى ابن عربي من قبل، عبارة عن «أحكام، ونسب، وإضافات، وسلوب ترجع إلى عين واحدة لم تتعدّد من حيث الإنيّة والهُويّة، وإنّما تتعدّد من حيثُ الحقائق الإمكانيّة» ([2]). فما يتعدّد ليس الخالق المفارق (الله) بل الصّور والاعتقادات الّتي يخلقها أو يضيفها أو ينسبها الإنسان إليه.

(3) فالمرتبة الإلهيّة ليست إلّا جِماع ذلك كله. وقد جاء افتراضنا لوجودها من حقيقة أنّها موجودة في الحقيقة الإنسانيّة وجودًا أصيلًا غير منفك عنها بحال. ولا يُقال: إنّ أصالتها غير صحيح بدليل وجود الملحدين واللّادينيين واللّاادرية والشّكاك وسواهم؛ لأنّ ذلك لا ينفي وجودها بقدر ما يثبت الإلحاد واللّادين واللّايمان كوجود أصيل في المرتبة الإنسانيّة، إذ لو لم يكن لما كان.

مرتبة الطّبيعة

(1) ليس أظهر للإنسان من كيانه سوى الطّبيعة، بل لعلنا في أحايين عديدة نكون حاضرين مع الطّبيعة أكثر من حضورنا مع أنفسنا؛ ذلك لأنّنا أشبه ما نكون بأجهزة استقبال دائمة التلقّي من المحيط، ولولا قابليّتنا على الإنفعال والتّفاعل الواعي؛ لكنّا شيئًا من الأشياء الأخرى غير المتميّزة فيها. وقد شكّلت لدى النّماذج المعرفيّة المختلفة هاجسًا، حتّى جاب في محاولة كشف قوانينها وأسرارها الفلاسفة والحكماء والعلماء اللّاهوتيين وغيرهم.

(2) الإشكاليّة الّتي واجهت كلّ هؤلاء أنّهم وجدوا أنفسهم إزاء شيء بيِّن لا بيِّن، إذ بقدر ما تبدو الطّبيعة واضحة إلّا أنّها مكتنزة بالغموض، وبقدر ما تظهر وكأنّها محدودة يُمكن تفسيرها والتنبؤ بأحداثها ما يُسهل السّيطرة عليها، بقدر ما تفاجئ الجميع بلا محدوديتها وتعاليها عمّا حُبِّرَ من نظريّات عنها. ما يزيد الأمر صعوبة، هو اختلاف النّماذج المعرفيّة، وهذا من شأنه أن يُعطي تصوّرات أو تفسيرات متعدّدة للظّاهرة الواحدة.

(3) من هنا فالطّبيعة مرتبة حسيّة تختلف عن كلّ من الإنسان الّذي يُحاول أن يعرفها وعن الألوهيّة المفارقة لهما.

مرتبة النّصوص الدّينيّة

يُمكن التمييز بين صنفين من النّصوص:

الأولى: نصوص ذات صلة بالجانب الميتافيزيائي أو الماورائي.

والثّانية: نصوص ذات صلة بالجانب الفيزيائي.

أمّا نصوص الجانب الأوّل فتتعلّق بالمرتبة الإلهيّة، وأمّا نصوص الجانب الثّاني فتتعلق بمرتبة الطّبيعة. ولأنّ كلّ صنف ينصبغ بلون المرتبة الّتي يتعلق بها، فقد تكوّنت مرتبتان هما: مرتبة النّصوص الدّينيّة، ومرتبة النّتاج الإنساني.  

(1) هذه المرتبة تضم النّصوص الدّينيّة والتّعاليم اللاهوتية الأصليّة ذات البعد الرّوحي أو الصّوفي. وأعني بالأصالة هنا: النّص الأساسي، وليس التّفسيرات أو الشّروحات أو ما يُستنبط منها.

(2) ما يميّز هذه المرتبة هو كونها تُعدّ بمنزلة حلقة وصل بين المرتبة الإنسانيّة والمرتبة الإلهيّة، وهذا يعني أنّها شيء ثالث بينهما، وبها يُمكن أن ينظر الإنسان إلى نفسه والطّبيعة.

(3) يُمكن تخصيص نص ديني بذاته في هذه المرتبة ليكون بمنزلة دلالة مرجعيّة متخصّصة أو مُحدّدة. وقد اخترنا (القرآن الكريم) ليكون النّموذج المعرفي الدّيني الممثّل لهذه المرتبة.

(4) لمرتبة القرآن خاصيّة متفرّدة من المراتب الأخرى، وهي كونها تتّسم بأنّها (مفارقة لا مفارقة) نسبانويًّا، ومعنى ذلك، أنّها من حيثُ الأصل إلهيّة بحتة (نور) بحسب ما نصّ القرآن على نفسه ([3])، وأمّا من حيث التنزّل فهي خلقيّة محضة (كلمات منطوقة ومكتوبة).

(5) هذه الميزة تجعل هذه المرتبة ذات مستويين متكافئين، فمن جهة هي تتناسب مع المرتبة الإلهيّة وتكون ذاتيّة لا عكوسة، ومن جهة ثانية هي تتناسب مع المراتب الأخرى بلا ذاتيتها وعكوستها؛ وهذا يوصلنا إلى أنّ التّضامر لهذا النّوع المشترك (ذاتي لا ذاتي).

(6) لذلك ينبغي أخذ مستوى المعلومات في هذه المرتبة، فيما إذا كانت مفارقة أو لا مفارقة، وتأثير ذلك في قواعد الاستدلال، وكما سنوضّحه في محلّه ([4]).

مرتبة النّتاج الإنساني

(1) النِتاج –لغة-هو ثمرة الشّيء، يقال: نتاج الكاتب أو الشّاعر: مايضعه من أدب أو شعر، ونتاج المصنع ما يصنعه من صنائع، وهكذا في الفكر وأي شيء آخر. على هذا بات واضحًا أنّ المقصود بالنّتاج الإنساني هو كلّ ما يُنتجه الإنسان أو يُمكن أن يُنتجه من علوم ومعارف وآداب وفلسفات وأفكار وفنون، وكلّ ما يستطيع إنتاجه من ابتكارات وتقنيات وتكنولوجيا أيضًا.

(2) إن كانت مرتبة النّصوص الدّينيّة تتعلّق بالمرتبة الإلهيّة، فهذه المرتبة تتعلّق بمرتبة الطّبيعة. 

(3) هذه المرتبة كالسّابقة يُمكن تخصيصها من بين جميع أنواع النّتاجات لتكون بمنزلة دلالة مرجعيّة مُحدّدة. وقد اخترت (التكنولوجيا) لتكون النّموذج المعرفي الممثّل لها في دراستنا هذه.

خصائص المراتب

 

تتصف مراتب التّضامر بالخصائص المبينة الآتية:

أوّلًا: التسلسل

(1) المراتب متسلسلة من (أ – هـ):

أ. المرتبة الإلهيّة.

ب. مرتبة الطّبيعة.

ج. مرتبة الإنسان.

د. مرتبة القرآن.

هـ. مرتبة التكنلوجيا.

المقصود بالتسلسل هو السّبق النّظري للمرتبة بحسب تسلسل الحروف الهجائيّة.

(2) أيّ مرتبتين تُقام بينهما علاقة تضامر ينبغي أن تصبح المرتبة الأسبق -وَفْقَ ما سنوضّحه في الفقرة اللّاحقة-هي (أ) والثّانية تكون (ب)، فمثلًا: لو أقمنا علاقة تضامر بين (ج) و (هـ) فإنّنا في صياغة العلاقة نعد (ج) بمنزلة (أ) و (هـ) بمنزلة (ب).     

ثانيًا: أسبقيّة المُظهر

(1) هذه الخاصيّة تفترض عمومًا أنّ المرتبة السّابقة هي بمنزلة المُظهر للمرتبة اللّاحقة، وذلك تأسيسًا على (مصادره الأوليّة) ([5])، حيثُ إنّ المُظهر هو من يضمر لا مثيله، ولمّا كان المظهر هو الأصل أو الأساس فهو الأسبق.

(2) لما أردنا تعيين أسبقيّة المراتب بالنسبة لبعضها بعضًا توقّفنا إزاء عددٍ من وجهات النّظر:

* وجهة نظر تذهب إلى أسبقيّة الطّبيعة على باقي المراتب.

* ووجهة نظر ترى أن أسبقيّة الإنسان على ما سواه؛ وذلك لأنّها انطلاقًا من فرضيّة مركزيّته، إذ لو يوجد لما كان هناك معنى لقياس تسلسل الوجود، فأوّل موجود بالنّسبة للإنسان الإنسان نفسه ثمّ الطّبيعة فالإله والنصوص فالنتاج.

* ووجهة نظر أخرى تقول: بأسبقيّة المرتبة الإلهيّة في الوجود لأزليتها وتعاليها على الزّمان والمكان، وتاليًا لها الطبيعة فالإنسان والتكنولوجيا. أمّا المراتب الأخرى بالنّسبة لمرتبة النّصوص الدّينيّة، ما كان إنسانيًّا فيسبق التكنولوجيا في الأسبقيّة وما كان إلهيًّا فهو زوجي المرتبة: من جهة أزليّة المرتبة الإلهيّة وما يأتي منها هو قبل مراتب الطّبيعة والإنسان والتكنولوجيا، ومن جهة ظهوره في الزّمان يأتي لاحقًا للطّبيعة والإنسان سابقًا للتكنولوجيا. وقد يُقال: إنّ النّصوص الدّينيّة منها ما هو سابق للتكنولوجيا ومنها وما هو لاحق لها.

(3) هناك بلا شك اعتبارات أخرى يُمكن إعادة ترتيب هذه المراتب وفقًا لها، والحقيقة أنّ جميع الاحتمالات صحيحة نسبانويًّا، أي: أنّ كلا منها صحيح نسبة للزّاوية أو الدّلالة الّتي حدّدت للرّكون إليها في تعيينه كسابق أو لاحق، وما دُمنا لا نستشكل أيّ احتمال، فقد اخترنا تسلسلًا رأينا أنّه الأنسب من بينها، والأكثر موائمة في التّعبير عن خصائص التّضامر وحقائقه. وهذا التسلسل يتلخّص في النّقاط الآتية: 

* المرتبة الإلهيّة دائمًا مضمرة.

* التسلسل حسب أسبقيّة المظهر: الطّبيعة، الإنسان، القرآن، التكنولوجيا.   

ثالثًا: أسبقيّة اللاتماثل     

من الواضح أنّ مراتب التّضامر لا مُتماثلة؛ لأنّ كلّ مرتبة ومن حيث طبيعتها الذّاتيّة تختلف عن المراتب الأخرى، وإن كنّا نشدّد على أنّ هذا الاختلاف لا يعني التّمايز التّام أو المطلق، بل إنّ المراتب تشترك مع بعضها بعضًا بأكثر من وجهٍ أو ناحية، وعلى سبيل المثال: الإنسان مرتبة مستقلّة عن الطّبيعة؛ لأنّ فيه من خصائص الوعي والإرادة ما لا يُوجد مثيل مطابق له في الطّبيعة؛ ولكنّه ومن جهة أُخرى يشترك معها في العناصر الماديّة المكوّنة له، وفي الخضوع للقوانين الّتي تفرضها الطّبيعة، والتكنلوجيا تبدو مستقلّة عن الإنسان والطّبيعة؛ لكنّها ليست مستقلّة تمامًا، إنّها تجسيد لفكر الإنسان ومادّة الطّبيعة وربّما محاكات للطّبيعة أيضًا. من جانب آخر: الإنسان بالنّسبة للإله مخلوق فقير بالمفهوم الّذي يعني أنّه لا يملك قدرة ذاتيّة خاصّة به يولدها هو ويعمل بها، بل هو محتاج لمصدر خارجي يزوده بتلك القدرة، على حين الإله يتّسم بأنّه مالك القدرة الذّاتيّة المطلقة، وعلى هذا فهو الغني عن العالمين، ومن هذه النّاحية يظهر أنّ التّمايز حاد بين الخالق والمخلوق؛ ولكن ذلك نصف الحقيقة، والنّصف الآخر يُخبرنا أنّ صفات الإنسان من سمع وبصر وقدرة وإرادة وحياة وعلم …إلخ، لها نظيرتها في الإله بما يتناسب ومرتبة الإله، فالتمايز بين الخالق والمخلوق وفقًا لذلك هو (حاد لا حاد). القرآن الكريم أيضًا؛ فمع أنّه يُعبّر عن مطلق الإرادة والكلام الإلهي اللّامتناهي إلّا أنّه يكتب وينطق ويفهم في حيّز ما هو مخلوق، وعلى هذا ليس متمايزًا تمايزًا تامًّا بل له نسبة تشترك مع الإنسان والطّبيعة.

هكذا فإنّ اللاتماثل بين المراتب يُشبه اللاتماثل بين إنسان وإنسان آخر؛ فمع أنّهما من مرتبة واحدة ولهما ذات الخصائص التكوينيّة إلّا أنّ كلّ إنسان له شخصيّته وشكله الّذي يفرده عن باقي أفراد جنسه. فهذه هي طبيعة المراتب، ووفقًا لهذه الطّبيعة، تأتي خاصيّة اللّاتماثل المبدئيّة وفيها أنّ الأصل هو لا تماثل المراتب، بمعنى أنّ أيّ تفصيل في مرتبة هو من حيث المبدأ لا يُماثل أيّ تفصيل في أيّ مرتبة أخرى ولو كان نظيرًا تشابهيًّا له. ومثال ذلك: أنّ الحمض النّووي (DNA) في جميع الكائنات الحيّة هو نفسه ويتكوّن من العناصر والمكونات ذاتها؛ ولكنّنا نعدّ مبدئيًّا (DNA) الإنسان لا يُماثل أي (DNA) لأيّ كائن حي آخر، لا لشيء إلّا لأن الإنسان وَفْقَ نظرتنا هذه مرتبة بحدّ ذاتها. بالمثل فإنّ كلمات القرآن الكريم وإن كان لها نظير في اللّغة الإنسانيّة إلّا أنّا نعدّ كلمات القرآن من حيث المبدأ لا تُماثل أيّ كلماتٍ أخرى في اللّغة، وهذا ينطبق على الأفكار والقيم والأحكام وما شابه.

إذن، الأصل الأوّل في اللاتماثل بالنّسبة لمراتب التّضامر يكون من حيث المبدأ قائمًا نسبة للّاتماثل المراتب نفسها. فلا يقولن قائل: خلية الإنسان تُشبه خليّة الحيوان من حيث جميع الدّلالات؛ وعلى هذا فهنّ متماثلات، فذلك مردود عندنا لأنّا نعتقد أنّ اللّاتماثل قائم في الأصل –اعتباريًّا-من حيث المرتبة قبل أي تفاصيل أخرى بين المعطيات المكوّنة لعلاقة التّضامر.

رابعًا: التعدديّة

(1) هذه الخاصيّة تنبئ عن أنّ طبيعة مراتب التّضامر تحتمل جميع أنواع التّضامر، فقد يكون التّضامر في مرتبة واحدة وهو المسمى: بالتضامر الذّاتي، أو يكون بين شيئين في مرتبة واحدة أو مرتبتين في الأقل، ويُسمّى لا ذاتي، وقد يكون مشتركًا؛ أي: ذاتي لا ذاتي، وقد يكون غير مباشر، أي: بين مرتبتين غير متجاورتين. باختصار فإنّ مراتب التّضامر تحتمل جميع أنواع التّضامرات ([6]).

(2) في التّضامر بين مرتبتين متجاورتين، يكون لدينا ثماني حالاتٍ ومعكوساتها، وهي:

* (أ × ب)، (أ × ج)، (أ × د)

* (ب × ج)، (ب × هـ)

* (ج × د)، (ج × هـ)

* (د × هـ)

(3) في التّضامر بين مرتبتين غير متجاورتين، يكون لدينا حالتان ومعكوساتهما، وهي:

* (أ × هـ)

* (ب × د) 

خامسًا: العكوسة

(1) حالة العكوسة: هي الحالة الّتي يكون فيها التّضامر متكافئًا بين المراتب المتضامرة، وهذا يحصل بين جميع المراتب باستثناء المرتبة الإلهيّة أو المرتبة (أ).

(2) حالة اللاعكوسة: وهي الحالة الّتي يكون فيها التّضامر غير متكافئ يجري باتّجاه ويمتنع حصوله في الاتّجاه المعاكس، وهذه الحالة تحصل بين جميع المراتب مع المرتبة الإلهيّة.

(3) العلاقة بين المراتب (ب، ج، د، هـ) هي علاقة التّضامر العكوس (ı|ı)، ولهذا فهي تُعد متكافئة تضامريًّا، بمعنى أن كلّ منها هو مظهر وهو في الوقتِ نفسه مضمر له.

(4) العلاقة بين المراتب (أ، ب)، (أ، ج)، (أ، د) هي علاقة تضامر لا عكوس (ı|) وفيها لا تكون المراتب متكافئة؛ أي: أنّ المُظهر يبقى مظهر والمضمر يبقى مضمر ولا ينعكس أو يتكافئ، والمظهر هنا هو (ب، ج، د) بينما (أ) دائمًا هو المُضمر؛ أي أن: (ب، ج، د < أ) على التتالي دائمًا، وبذلك بحسب مصادرة الاحتواء ([7]).

(5) إنّ السّبب الّذي جعلنا نعدّ جميع المراتب عكوسة سوى المرتبة الإلهيّة هو أنّ المرتبة الإلهيّة من بين جميع المراتب لا تقع تحت حيطة المدارك الحسيّة أو الرصديّة؛ لكونها مفارقة أو غيبيّة، وهذا يعني أنّها مضمرة دائمًا، على حين بقيّة المراتب فيها المُظهر المدرك وفيها المُضمر العقلي. 

سادسًا: اللاتطابق

هذه الخاصيّة تعني: أنّ كلّ مرتبة ذات خصوصيّة قائمة بذاتها، وما يُوجد في المرتبة الأخرى هو نظير ما يوجد في المرتبة الأولى وَفْقَ الدّلالة المُحدّدة، والنّظير لا يشترط فيه أن يكون مطابقًا لنظيره بل يمتلك الخصائص الذّاتيّة به وَفْقَ خصوصيّة مرتبته.

على سبيل المثال: الإنسان في مرتبة الإنسان هو هذا الكائن المعروف، وهو موجود في مرتبة القرآن كصورة منعكسة تتمثّل معرفيًّا في لفظة (الإنسان) بما تحتويه من خصائص موجود في الكتاب، على حين توجد في مرآة الطّبيعة منعكسة بهيئة الخصائص الوجودية المفرقة على الكائنات الحيّة، فطبيعته الماديّة تماثل ما متفرق في الطّبيعة، وطبيعته المعنويّة تماثل ما متفرق في الكائنات من شجاعة ومكر وشراسة ولهو ونماء، …إلخ. والإنسان ينعكس في مرتبة التكنولوجيا مجتمعًا بهيئة الرّوبوتات أو مفرقًا فتماثل الحواسيب العقل والآليّات العضلات والكاميرات العيون … وهكذا. كما أنّه ينعكس في المرتبة الإلهيّة بما يتماثل فيه من سمع وبصر وحياة واردة وقدرة وعلم وما إلى ذلك؛ وعلى هذا فله نظائر في المراتب الأخرى بحسب طبيعة تلك المراتب لا طبيعته هو، إضافةً إلى أنّ الإنسان في مرتبة الإنسان يضمر جميع المراتب بحسب طبيعته هو لا طبيعتها هي.

لنأخذ مثالًا آخر: تُشير الدّراسات العلميّة الحديثة أنّ معظم النّاس لا يمتلكون تفضيلات ثابتة، فمشاعرنا متناقضة وظرفية إزاء ما يُفكر فيه النّاس المحيطون بنا. ويقول بوزماير: «إنّنا مخلوقات ظرفيّة جدًّا، ومن ثمّ ليس من موقف ينتظر رصده». ويقرن العلماء هذه الظّاهرة الإنسانيّة بما يُعرف بـ (التّراكب الكمومي الفائق A quantum superposition) في الفيزياء الكموميّة؛ إلّا أنّ هذا لا يعني أنّ أدمغتنا هي حواسيب كموميّة بالمعنى الحرفي، بل ووفقًا لما قاله بعض الفيزيائيّين: إنّ الفيزياء الكموميّة هي استعارة مفيدة للتّعبير عن التدفّق الحرّ للفكر البشري. هنا يأتي مفهوم التّضامر؛ ليكشف عمّا في تلك الاستعارة من دفق إيجابي، إذ يبدو أنّ التّوازي بين اللّامتماثلين، ليس توازيًّا حادًّا، بمعنى أنّه لا توجد منطقة خواء بين المتضامرين، بل يوجد ما يتوسّط بينهما، بحيث يكون مدعاة لمعرفة الذّات من طريق الآخر، وهو الّذي يُمكن تلّمسه من ذهاب بعض العلماء إلى «أنّ تجديد التّفاؤل بالمعرفة الإنسانيّة والسّلوك البشريّين، قد تساعد الفيزياء الكمومية اليوم على نشوء حركة تنوير جديدة» ([8]).

في الواقع أطلق بعضهم على تلك المنطقة اسم «المجال المشترك» كما في المجال المشترك بين الميدان النّفسي والميدان الفيزيولوجي الّذي بات يعرف بالمجال (السّيكوفسيولوجي)، وهذا المجال يعبّر عن مجالين منفصلين هما المجال النّفسي الموضوعي والمجال الفيزولوجي الموضوعي، من دون الرّكون إلى إفتراض أنّ أحدهما ناتج عن الآخر. فإذا كانت هناك أحداث أو عمليّات نفسيّة يُمكن تفسيرها من طريق عوامل فيزيولوجيّة، وأنّ هناك عمليّات فيزيولوجيّة يُمكن تفسيرها بعوامل نفسيّة؛ فإنّ هذا لا يتضمّن ردّ أحد المجالين إلى الآخر، بل يُعبّر عن تفاعل مجالين مستقلّين فقط. وهذا ما ينطبق على المجالين الكيميائي والفيزيائي، فالقول بوجود مجال مشترك بين الكيمياء والفيزياء أو بين هذين والبيولوجيا (البايوفيزياء، البايوكيمياء)، لا يتضمّن القول إنّ أحدهما ناتج عن الآخر، بل لكلّ منهما ميدانه الخاص وقوانينه الخاصّة ([9]).

لقد أدرك بعض العلماء ما لهذا اللّون من التّرابط من شأن في توسيع حدود التّفسير العلمي. فدرسوا مشكلة تأثّر الدّماغ في المغناطيسيّة الأرضيّة، فلاحظوا أنّ ظهور البقع الشّمسيّة يتبعها اضطرابات في المغناطيسيّة الأرضيّة، وينتج عن ذلك نسبة عالية من الأمراض الإنفعاليّة والعصبيّة، والحوادث المروريّة، والانتحار، والسّكتات القلبيّة. كان العلماء السّوفييت أكثر من أولى هذه الدّراسات اهتمامهم، حتّى ذهب بعضهم إلى أنّ جهاز المناعة في الجسم حسّاس جدًّا للحقول المغناطيسيّة، وقد يتعطّل عمله عندما تكون هذه الحقول قويّة جدًّا ([10]).

في المحصّلة، فإنّنا إن كنّا نقول: إنّ النّظير علم النّفس مثلًا يكشف مجهول نظيره الفيزيولوجيا مثلًا فهذا لا يشترط التّطابق بين العلمين بقدر ما يُعبّر عن التّكامل بينهما، وبذات الفكرة نفهم العلاقة بين مراتب التّضامر. بل إنّ العلاقة بين مراتب التّضامر هي تعميم لهذه الفكرة، إذ بالإمكان أن نتوصّل من معلوم أحد المراتب إلى مجهولٍ في أيّ مرتبة أخرى ضمن سياق قوانين التّضامر وقواعده.

سابعًا: التّثاوي

كلّ مرتبة من مراتب التّضامر تتكون من ثنائيّة متثاوية، أيّ أنّ كلّ طرف أو جانب من جوانب الثّنائيّة يثوي الجانب الآخر. والتّثاوي مفهوم مُستفاد من اللّفظ (ثوى) وهو يعني الإقامة والاستقرار ([11])، يُقال: ثوى بالمكان: أي أقام واستقر. وهو يقتضي أن يوجد اثنان: مَقام ومُقيم، وفي العربيّة تسير العمليّة باتّجاه واحد، المُقيم هو فقط الّذي يثوي في المقام؛ إلّا أنّنا وفي التّثاوي نذهب إلى أنّ الأمر فيه تشارك من اتّجاهين، فإذا ثوى المقيم في المقام، فإنّ المقام يثوي بدوره في المقيم. وهذا يعني أنّه ليس شرطًا أن يكون المقام ثابتًا والمقيم متحرّكًا؛ إذ الأمر منظوري، فقد يُعد المقيم ثابتًا والمقام متحرّكًا. مثل هذه الفكرة كمثل تبادليّة مركزيّة الكون بين الأرض والشّمس، فقد تكون الأرض هي المركز فتكون بمنزلة الثّابت والشّمس متحرّكة، وقد تكون الشّمس هي المركز، فتكون هي الثّابتة والأرض متحرّكة، ولا فرق بين الأمرين إلّا من حيث نقطة الاسناد المرجعي.

المثال الآخر: هو أنّنا عندما نتأمل في مقولة: «المادّة طاقة متكثّفة» أو «الطّاقة مادّة متحرّرة» فإنّنا حين نطلق عليها مصطلح التكافؤ الفيزيائي، فهذا يُحدّد خصائص فيزيائيّة بعينه؛ إذ لا يُمكن للمادّة أن تطلق طاقة أكثر ممّا تحتمله مادّتها. وهو مؤطّر بإطار قانون حفظ الطّاقة والمادّة الصّارم. أمّا التّثاوي فيُعبّر عن جانب آخر من هذه العلاقة، إنّه يخبرنا أنّ الطّاقة تقيم قيام أصالة في المادّة والمادّة تُقيم قيام أصالة في الطّاقة؛ لذا يُمكن القول: إنّ التّكافؤ يدلّ على اللّحظة الزّمانيّة، على حين يدلّ التّثاوي على اللّحظة اللّازمانيّة.

وَفقًا لذلك يكون من المقبول أنّنا حين نطلق لفظ التّثاوي على شيء، فكأنّنا نقول إنّه مكوّن من ثنائيّة متكافئة تبادليًّا. ونعني بالتكافؤ التّبادلي: أنّ ذلك الشّيء يتضمّن اللّحظتين: الزّمانية واللّازمانيّة. ولمّا كنّا قد قدّمنا القول: إنّ كلّ مرتبة من مراتب التّضامر متثاوية، فهذا يعني أنّ كلّ منها يتضمّن ثنائيّة ذاتيّة، وتلك الثّنائيّة المتأصّلة في المرتبة هي الّتي تعمل عملها لتظهر لنا أنواع التّضامرات المختلفة. فيما يأتي تحليل لتثاوية كلّ مرتبة من مراتب التّضامر.

(1) تثاوي مرتبة الألوهيّة:

المرتبة الإلهيّة وبحسب علم الكلام، عبارة عن ذات وصفات، وفي ذلك أقول أشهرها:

* قيل: الذّات لا هي الصّفات ولا هي غيرها.

* وقيل: الذّات عين الصّفات وغيرها.

* وقيل: الذّات عين الصّفات.

* وقيل: الذّات غير الصّفات.

ما يُلاحظ بشأن هذه الآراء ممّا يهمّ المقام، هو أنّها:

  1. تتحدّث عن ثنائيّة أصيلة أو أصليّة.
  2. تتحدّث عن ثنائيّة متكافئة غير مُتفاضلة.
  3. تتحدّث عن ثنائيّة يُقيم كلّها في كلّها، أي: أنّها متثاوية.

(2) تثاوي مرتبة الطّبيعة: تتضمّن الطّبيعة الثّنائيّة الآتية:

  1. الوجود في مستواه الأنطولوجي.
  2. القوانين في مستواها الأبستمولوجي.

نعلم أنّنا لا نستطيع أن نفصل بين الاثنين، ولا نستطيع أن نجزم أيهما كان أوّلًا؛ والسّبب -بحسب ما قدّمنا- هو أنّهما متثاويان، وكل متثاويين لا زمن بينهما؛ لأنّهما في مجال اللّحظة اللّازمانيّة. يُعبّر هذا عن أصالتهما وعن تكافئهما اللّامتفاضل–إلّا نسبانويًّا-أيضًا.

(3) تثاوي مرتبة الإنسان: تتكوّن هذه المرتبة من الثّنائيّة الآتية:

  1. الكينونة في مستواه الأنطولوجي.
  2. القابليّة المعرفيّة الأبستمولوجيّة.

فالإنسان يشتركُ مع الطّبيعة في تكوينه المادّي بما ينضوي عليه ذلك التّكوين من قوانين أبستمولوجيّة طبيعيّة؛ ولكنّه يتميّز بأنّه ذو قابلية إيجابيّة تنحو نحو المعرفة في شتّى مستوياتها واتّجاهاتها؛ وهذا يعني أنّ تثاوية الطّبيعة عبارة عن أحد طرفي تثاوية الإنسان، الأمر الّذي يُمكن التّعبير عنه بالشّكل:

تثاوي الطّبيعة = الوجود الأنطولوجي + القوانين الأبستمولوجيّة.

تثاوي الإنسان = تثاوي الطّبيعة + قابليّة المعرفة.

في المقابل فإنّ المعرفة الإنسانيّة مستقاة من التعلّم الإلهي بحسب النّص القرآني: {وَعَلَّمَآدَمَالْأَسْمَاءَكُلَّهَا} ([12])، فهذا يعني:

تثاوي الإنسان = تثاوي الطّبيعة + تثاوي الألوهة.

ما ينتج عن ذلك أنّ الإنسان ذي تثاوي مركب، له تثاوي يصله بالطّبيعة من جهة، وله تثاوي آخر يصله بالألوهة من جهة أخرى.

(4) تثاوي مرتبة القرآن: تتكوّن هذه المرتبة من نصٍّ ذي ثنائيّة متثاوية، وطبيعة تثاوية أنّه:

  1. نصّ محدّد المبنى (حروف وكلمات منطوقة ومسموعة مُحدّدة).
  2. نصّ لا محدود المعنى (تأويل يصلح لكلّ زمان ومكان).

وبتعبيرٍ آخر:

  1. تفسير حرفي محدود.
  2. تأويل لا حرفي لا محدود.

تلك هي الثّنائيّة المتثاوية في القرآن؛ ولأنّها متثاوية فلا يُمكن الرّكون إلى بعضها دون بعض، ولا أخذ شطر منها دون الشّطر؛ الأمر الّذي يعني أنّ القرآن يجب أن يُؤخذ بتفسيره وتأويلة لا أحدهما. إلى ذلك يُمكن ملاحظة ما يأتي:

أوّلًا: من حيث التّفسير: يُقابل القرآن الشّطر الأنطولوجي في الطّبيعة والإنسان.

ثانيًا: من حيث التّأويل: يُقابل الشّطر الأبستمولوجي فيها أيضًا.

(5) تثاوي مرتبة النّتاج الإنساني:

نعلم أنّ النّتاج الإنساني منه ما هو متعلّق بالأنطولوجيا: كالتكنولوجيا، ومنه ما هو متعلّق بالأبستمولوجيا: كالشّعر والرّواية والرّياضيّات وما إلى ذلك. وفقًا لما قدّمنا، يُفترض أن ننظر إلى هذه الثّنائية على أنّها متثاوية من حيثُ الأصل، أي: من حيث اللّحظة اللّازمانية الّتي تكون فيها مجتمعة في الذّات الجمعيّة الإنسانيّة، وإن بدأ في العالم الواقعي الّذي يدخل ضمن حيّز اللّحظة الزّمانيّة مفكّكة أو مُتباعدة.

هذا يعني: أنّ تثاوي مرتبة النّتاج قائم في الإنسان المنتج نفسه. يقودنا هذا إلى استنتاج يكمل وصل الدّائرة التثاوية، وهو: (إنّ مثل تثاوي مرتبة النّتاج بالنّسبة للإنسان، كمثل تثاوي الطّبيعة والإنسان بالنّسبة للألوهة). فإنّ كان يظهر أنّ ما يُنتجه الإنسان معزول عن الإنسان، فإنّ ذلك يُشبه عزلة ما سوى الألوهة عنها؛ ولكن تلك العزلة لا تمثّل إلّا شطرًا من الحقيقة، أو شطرًا من حقيقة التثاوي، فنحنُ نعلم أنّ ما هو معزول من نتاج عن الإنسان من حيثُ الواقع (اللّحظة الزّمانيّة)، هو في الوقتِ نفسه متوحّد فيه من حيثُ (اللّحظة اللّازمانيّة)، الأمر الّذي يعكس طبيعة العلاقة من حيثُ هذه اللّحظة بين مرتبتي الطّبيعة والإنسان من جهة ومرتبة الألوهيّة من جهة أخرى.


[1]– د. سعاد الحكيم، مرجع سابق، ص88.

[2]– ابن عربي، كتاب المسائل، مطبعة جمعيّة دائرة المعارف العثمانيّة، حيدر آباد الّدكن، ط1، 1948، ص 5.

[3] – {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُم ْرَسُولُنَا يُبَيِّن ُلَكُم ْكَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوعَنْ كَثِيرٍقَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15].

[4]– انظر: القسم الثّاني – الفصل الرّابع –منهج التّضامر– قواعد الاستدلال.

[5]– انظر: القسم الثّاني – الفصل الأول -مصادرات تكميليّة – الثّانية: مصادرة الأوليّة.

[6]– للمزيد انظر: القسم الثّاني –الفصل الثّالث-أنواع التّضامر.

[7] – انظر: القسم الثّاني – الفصل الأول -مصادرة تكميليّة-المصادرة الخامسة – مصادرة الاحتواء.

[8] – للمزيد انظر مقال: حركة تنوير جديدة، ج. موسر، مجلّة العلوم، التّرجمة العربيّة لمجلة ساينتفك أمريكان، تصدر شهريًّا في دولة الكويت عن مؤسّسة الكويت للتقدّم العلمي، المجلد 29، العددان 3/4، مارس/أبريل، 2013، ص15.

[9]– راجع: صلاح الجابري، فلسفة العلم (بحوث متقدّمة في فلسفة الفيزياء والعقلانيّة والتّزامن والعقل والدّماغ)، مؤسّسة الانتشار العربي، بيروت، ط1، 2006، ص 74.

[10]– Krippner, S.: Human Possibilities, Mind Exploration in the USSR and Estern Europe, New York, 1980, P64. 

[11]– وفي القرآن الكريم: {وما كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِم آيَاتِنَا ولَكِنَّا كُنَّا مُرسِلِينَ} القصص:45.

[12] – سورة البقرة: 31.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *